كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 36)

الجمهور، منْ اشتراط الحرز لوجوب قطع السارق؛ لوضوح أدلّته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): فِي معنى الحرز:
قَالَ الحافظ أبو عمر رحمه الله تعالى: واختلف الفقهاء فِي أبواب منْ معاني الحرز، يطول ذكرها، فجملة قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأصحابهم: أن السارق منْ غير حرز، لا قطع عليه، وجملة قول مالك، والشافعي فِي الحرز: أن الحرز كل ما يَحرز به النَّاس أموالهم، إذا أرادوا التحفظ بها، وهو يختلف باختلاف الشيء المحروز، واختلاف المواضع، فإذا ضم المتاع فِي السوق إلى موضع، وقعد عليه صاحبه، فهو حرز، وكذلك إذا جعل فِي ظرف، فأخرج منه، وعليه منْ يحرزه، أو كانت إبلٌ قُطِر (¬1) بعضها إلى بعض، أو أنيخت فِي صحراء، حيث يُنظر إليها، أو كانت غنما فِي مَراحها، أو متاعا فِي فسطاط، أو بيتا مغلقا عَلَى شيء، أو مقفولا عليه، وكل ما تنسبه العامة إلى أنه حرز، عَلَى اختلاف أزمانها، وأحوالها.
قَالَ الشافعيّ: ورداء صفوان كَانَ محرزا، باضطجاعه عليه، فقَطَعَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سارقه، قَالَ: ويقطع النباش إذا أخرج الكفن منْ جميع القبر؛ لأن هَذَا حرز مثله، ومذهب المالكيين، والشافعيين فِي هَذَا الباب متقارب جدا، ولا سبيل إلى إيراد مسائل السرقة، عَلَى اختلاف أنواع الحرز، وَقَدْ ذكرناها هنا جُمَلا تَكفي، ومن أراد الوقوف عَلَى الفروع، نظر فِي كتب الفقهاء، وبان له ما ذكرناه، وبالله التوفيق. انتهى "التمهيد" 11/ 222.
وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: إذا ثبت اعتبار الحرز، والحرز ما عُدَّ حرزا فِي العرف، فإنه لَمّا ثبت اعتباره فِي الشرع منْ غير تنصيص عَلَى بيانه، عُلِم أنه رَدَّ ذلك إلى أهل العرف؛ لأنه لا طريق إلى معرفته، إلا منْ جهته، فيُرجَع إليه كما رجعنا إليه فِي معرفة القبض، والفرقة فِي البيع، وأشباه ذلك.
إذا ثبت هَذَا فإن مِن حرز الذهب والفضة والجواهر الصناديقَ تحت الأغلاق، والأقفال الوثيقة فِي العمران، وحرز الثياب، وما خَفَّ منْ المتاع، كالصفر، والنحاس، والرصاص فِي الدكاكين، والبيوت المقفلة فِي العمران، أو يكون فيها حافظ، فيكون حرزا، وإن كانت مفتوحة، وإن لم تكن مغلقة، ولا فيها حافظ، فليست بحرز، وإن كانت فيها خزائن مغلقة، فالخزائن حرز لما فيها، وما خرج عنها فليس بمحرز، وَقَدْ
¬__________
(¬1) قطرت الإبل، منْ باب قتل: جعلتها قِطارًا، والقطار بالكسر منْ الإبل عدد عَلَى نسق واحد. "المصباح".

الصفحة 382