كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 37)

(ومنها): أنه تمسك بحديث الباب منْ أوجب إقامة الحد عَلَى القاذف، إذا بلغ الإمام، ولو عفا المقذوف، وهو قول الحنفية، والثوري، والأوزاعي، وَقَالَ مالك، والشافعي، وأبو يوسف: يجوز العفو مطلقًا، ويدرأ بذلك الحد؛ لأن الإمام لو وجده بعد عفو المقذوف، لجاز أن يقيم البينة بصدق القاذف، فكانت تلك شبهة قوية.
(ومنها): أن فيه دخول النِّساء مع الرجال فِي حد السرقة. (ومنها): أن فيه قبول توبة السارق. (ومنها): أن فيه منقبةً لأسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما. (ومنها): أن فيه ما يدل عَلَى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها، عند أبيها -صلى الله عليه وسلم-، فِي أعظم المنازل؛ فإن فِي القصة إشارةً إلى أنها الغاية فِي ذلك عنده. ذكره ابنُ هبيرة.
(ومنها): ما قيل: إنه يؤخذ منه أن فاطمة أفضل منْ عائشة رضي الله تعالى عنهما؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- جعلها غاية فِي أعز النَّاس عليه، فدلالته ظاهرة، خلافاً لما قاله الحافظ فِي "الفتح"، حيث بناه عَلَى ما سبق له منْ مناسبة اسم فاطمة لاسم السارقة.
(ومنها): أن فيه ترك المحاباة فِي إقامة الحد، عَلَى منْ وجب عليه، ولو كَانَ ولدًا، أو قريبًا، أو كبير القدر، والتشديد فِي ذلك، والإنكار عَلَى منْ رَخَّص فيه، أو تَعَرَّض للشفاعة فيمن وجب عليه.
(ومنها): أن فيه جوازَ ضرب المثل بالكبير القدر، للمبالغة فِي الزجر عن الفعل، ومراتب ذلك مختلفة، ولا يخفى ندب الاحتراز منْ ذلك، حيث لا يترجح التصريح بحسب المقام، كما تقدم نقله عن الليث، والشافعي رحمهما الله تعالى.
(ومنها): أنه يؤخذ منه جواز الإخبار عن أمر مُقَدّر، يفيد القطع بأمر مُحَقَّق. (ومنها): جواز الحلف منْ غير استحلاف، وهو مستحبّ إذا كَانَ فيه تفخيم لأمر مطلوب، كما فِي هَذَا الْحَدِيث، ونظائره. (ومنها): أن منْ حلف عَلَى أمر، لا يتحقق أنه يفعله، أو لا يفعله، لا يحنث، كمن قَالَ لمن خاصم أخاه: والله لو كنتُ حاضرا، لهشمت أنفك، خلافا لمن قَالَ: يحنث مطلقا. (ومنها): أن فيه جوازَ التوجع لمن أقيم عليه الحد، بعد إقامته عليه، وَقَدْ حَكَى ابن الكلبي فِي قصة أم عمرو بنت سفيان: أن امرأة أُسيد بن حُضير أَوَتها بعد أن قُطعت، وصَنَعت لها طعامًا، وأن أُسيدًا، ذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، كالمنكر عَلَى امرأته، فَقَالَ: "رحمتها، رحمها الله".
(ومنها): أن فيه الاعتبارَ بأحوال منْ مضى، منْ الأمم، ولاسيما منْ خالف أمر الشرع. (ومنها): أنه تمسك به بعض منْ قَالَ إن شرع منْ قبلنا شرع لنا؛ لأن فيه إشارةً إلى تحذير منْ فعل الشيء الذي جَرَّ الهلاك إلى الذين منْ قبلنا؛ لئلا نهلك كما هلكوا، وفيه نظر، وإنما يتم أن لو لم يَرِد قطع السارق فِي شرعنا، وأما اللفظ العام فلا دلالة فيه

الصفحة 15