كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 37)

وجحدت، وسرقت، فقطعت للسرقة، لا للعارية، قَالَ: وبذلك نقول.
وَقَالَ الخطّابيّ فِي "معالم السنن" -بعد أن حكى الخلاف، وأشار إلى ما حكاه ابن المنذر-: وانما ذُكرت العارية، والجحد فِي هذه القصة، تعريفا لها بخاص صفتها، أذ كانت تكثر ذلك، كما عرفت بأنها مخزومية، وكأنها لما كثر منها ذلك، ترقت إلى السرقة، وتجرّأت عليها، وتَلَقَّف هَذَا الجواب منْ الخطّابيّ جماعة، منهم البيهقي، فَقَالَ: تحمل رواية مَن ذَكَر جحد الجارية عَلَى تعريفها بذلك، والقطع عَلَى السرقة، وَقَالَ المنذري نحوه، ونقله المازري، ثم النوويّ عن العلماء.
وَقَالَ القرطبيّ: يترجح أن يدها قُطعت عَلَى السرقة، لا لأجل جحد العارية منْ أوجه: [أحدها]: قوله فِي آخر حديث الذي ذُكرت فيه العارية: "لو أن فاطمة سَرَقت"، فإن فيه دلالة قاطعة عَلَى أن المرأة قُطعت فِي السرقة، إذ لو كَانَ قطعها لأجل الجحد، لكان ذكر السرقة لاغيا، ولقال: لو أن فاطمة جَحَدت العارية. وهذا قد أشار إليه الخطّابيّ أيضا. [ثانيها]: لو كانت قُطعت فِي جحد العارية، لوجب قطع كل منْ جحد شيئا، إذا ثبت عليه، ولو لم يكن بطريق العارية. [ثالثها]: أنه عارض ذلك حديث: "ليس عَلَى خائن، ولا مُختلس، ولا مُنتهب قطع"، وهو حديث قويّ، أخرجه الأربعة، وصححه أبو عوانة، والترمذيّ، منْ طريق ابن جُريج، عن أبي الزبير، عن جابر، رفعه، وصرح ابن جريج فِي رواية النسائيّ (¬1)، بقوله: "أخبرني أبو الزبير"، ووَهَّم بعضهم هذه الرواية، فقد صرح أبو داود، بأن أبن جريج لم يسمعه منْ أبي الزبير، قَالَ: وبلغني عن أحمد، إنما سمعه ابن جريج منْ ياسين الزيات، ونقل أبن عدي فِي "الكامل" عن أهل المدينة أنهم قالوا: لم يسمع ابن جريج منْ أبي الزبير، وَقَالَ النسائيّ: رواه الحفاظ منْ أصحاب أبن جريج عنه، عن أبي الزبير، فلم يقل أحد منهم: أخبرني، ولا أحسبه سمعه.
قَالَ الحافظ: لكن وُجد له متابع عن أبي الزبير، أخرجه النسائيّ أيضا، منْ طريق المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، لكن أبو الزبير مدلس أيضا، وَقَدْ عنعنه عن جابر، لكن أخرجه ابن حبّان منْ وجه أخر، عن جابر بمتابعة أبي الزبير، فقوي الْحَدِيث.
وَقَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى -بعد أن ذكر كلام النسائيّ المتقدّم-: ما نصّه: فإن ترجح أن ابن جريج لم يسمعه منْ أبي الزبير، فقد تابعه عليه مغيرة بن مسلم، فرواه عن أبى الزبير كذلك، ورواه النسائيّ منْ طريقه، وقولُ ابن حزم: مغيرة بن مسلم
¬__________
(¬1) أي فِي "الكبرى" برقم 7463 - وليس الحديث فِي "المجتبى"، فتنبّه.

الصفحة 20