كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 37)

ليس بالقويّ، مردود، فقد وثّقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو حاتم، وابن حبّان، والدارقطنيّ، وَقَدْ تابع أبا الزبير عليه عمرو بن دينار، رواه ابن حبّان فِي "صحيحه" منْ طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، وعمرو بن دينار، عن جابر -رضي الله عنه-، فذكره، وهذا يرد عَلَى قول ابن حزم فِي "الإيصال": إنه لم يروه أحد منْ النَّاس إلا أبو الزبير، عن جابر، فظهر بما قرّرناه قوّة هَذَا الْحَدِيث، وصلاحيته للاحتجاج به، ثم إننا نقيس المختلف فيه منْ ذلك عَلَى المتّفق عليه، فإن أحمد يجزم بعدم القطع عَلَى الخائن فِي العارية بغير الحجد، وعلى الخائن فِي الوديعة، وعلى المنتهب، والمختلس، والغاصب، فلم يقل أحد بالقطع فِي الحجد مطلقًا. انتهى "طرح التثريب" 6/ 8/ 32 - 33.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث: "ليس عَلَى خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع" صحيح، سيأتي الكلام عليه فِي 13/ 4973 - إن شاء الله تعالى.
قَالَ فِي "الفتح": وَقَدْ أجمعوا عَلَى العمل به -أي بحديث جابر المذكور- إلا منْ شذّ، فنقل ابن المنذر، عن إياس بن معاوية، أنه قَالَ: المختلس يُقطع، كأنه ألحقه بالسارق؛ لاشتراكهما فِي الأخذ خُفْية، ولكنه خلاف ما صرح به فِي الخبر، وإلا ما ذُكر منْ قطع جاحد العارية، وأجمعوا عَلَى أنه لا قطع عَلَى الخائن فِي غير ذلك، ولا عَلَى المنتهب، إلا إن كَانَ قاطع طريق. والله أعلم.
وعارضه غيره ممن خالف، فَقَالَ ابن القيم الحنبلي: لا تنافي بين جحد العارية، وبين السرقة، فإن الجحد داخل فِي اسم السرقة، فيجمع بين الروايتين بأن الذين قالوا: "سرقت" أطلقوا عَلَى الجحد سرقة. قَالَ الحافظ: ولا يخفى بُعدُهُ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: بُعد تسوية ابن القيم بين الجحد والسرقة فِي المعنى مما لا يخفى، ومن أقوى ما يبطله حديث النسائيّ الآتي قريبًا حيث إنه -صلى الله عليه وسلم- استتاب تلك المرأة التي كانت تجحد العارية مرارًا، فإن فيه بيان أنهما ليسا بمعنى واحد؛ لأنه لا خلاف أن السرقة إذا ثبتت عند الإمام لا يجوز له استتابة السارق، وَقَدْ استتاب -صلى الله عليه وسلم- هذه المرأة، فلو كَانَ الجحد سرقةً، لما استتابها، بل أمر بقطعها، فعلمنا أن الجحد ليس بمعنى السرقة، وأن قطع هَذَا المرأة إنما هو لكونها سرقت، بعد أن اعتادت جحد العارية، فافهم. والله تعالى أعلم.
قَالَ: والذي أجاب به الخطّابيّ مردود؛ لأن الحكم المرتب عَلَى الوصف، معمول به، ويقويه أن لفظ الْحَدِيث، وترتيبه فِي إحدى الروايتين القطعَ عَلَى السرقة، وفي الأخرى عَلَى الجحد، عَلَى حدّ سواء، وترتيب الحكم عَلَى الوصف، يُشعِر بالعلية،

الصفحة 21