كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 37)

قَالَ فِي "الفتح": "الْمِجَنُّ" -بكسر الميم، وفتح الجيم، مِفْعلٌ، منْ الاجتنان، وهو الاستتار مما يحاذره المستتر، وكُسِرت ميمه؛ لأنه آلة فِي ذلك، والْحَجَفة -بفتح المهملة والجيم، ثم فاء-: هي الدَّرَقَة، وَقَدْ تكون منْ خشب، أو عظم، وتُغَلَّف بالجلد، أو غيره، و"التُّرْس" مثله، لكن يُطارق فيه بين جلدين، وقيل: هما بمعنى واحد، وعلى الأول "أو" فِي الخبر للشك، وهو المعتمد، ويؤيده رواية عبد الله بن المبارك، عن هشام بلفظ: "فِي أدنى منْ حَجَفَة، أو ترس، كُلُّ واحد منهما ذو ثمن"، والتنوين فِي قوله: "ثمن" للتكثير، والمراد أنه ثمن يُرغَب فيه، فأَخرَج الشيء التافه، كما فهمه عروة راوي الخبر، وليس المراد ترسا بعينه، ولا حجفة بعينها، وإنما المراد الجنس، وأن القطع كَانَ يقع فِي كل شيء، يبلغ قدر ثمن المجن، سواء كَانَ ثمن المجن كثيرا، أو قليلا، والاعتماد إنما هو عَلَى الأقل، فيكون نصابا، ولا يقطع فيما دونه. انتهى "فتح" 14/ 58 - 59.
[تنبيه]: اختُلف فِي إسناد هَذَا الْحَدِيث، فرواه ابن المبارك، كما هو هنا، وعند الشيخين, وكذا عبدة بن سليمان، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسيّ، وأبو أسامة عندهما، أربعتهم عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، ورواه وكيع، وعبد الله بن إدريس، كلاهما عن هشام، عن أبيه، مرسلا، قاله البخاريّ.
قَالَ فِي "الفتح": أما رواية وكيع، فأخرجها ابن أبي شيبة فِي "مصنفه" عنه، ولفظه: "عن هشام بن عروة، عن أبيه، قَالَ: كَانَ السارق فِي عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يُقطع فِي ثمن المجن، وكان المجن يومئذ له ثمن، ولم يكن يُقطع فِي الشيء التافه".
وأما رواية بن إدريس -وهو عبد الله الأودي الكوفيّ- فأخرجها الدارقطنيّ فِي "العلل"، والبيهقي منْ طريق يوسف بن موسى، عن جرير، وعبد الله بن إدريس، ووكيع، ثلاثتهم عن هشام، عن أبيه: أن يد السارق، لم تُقطع ... فذكر مثل سياق أبي أسامة سواء (¬1)، وزاد: "ولم يكن يُقطع فِي الشيء التافه".
قَالَ الحافظ: وقرأت بخط مغلطاي، وتبعه شيخنا ابن الملقن، أن رواية بن إدريس عند عبد الرزاق عنه، فيما ذكره الطبراني فِي "الأوسط"، كذا قَالَ الإسماعيلي، ووصله أيضًا عن هشام عمرُ بن علي المقدّمي، وعثمان الْغَطَفَانيّ، وعبد الله بن قبيصة الفزاري، وأرسله أيضًا عبد الرحيم بن سليمان، وحاتم بن إسماعيل، وجرير.
¬__________
(¬1) لفظ أبي أسامة عند البخاريّ: "قَالَ هشام بن عروة: أخبرنا عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لم تُقطع يد سارق عَلَى عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أدنى منْ ثمن المجنّ: تُرس، أو حجفة، وكان كل واحد منهما ذا ثمن". انتهى.

الصفحة 69