كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

وإلى الحديث والآية أشرت بقولي: "وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى" وأكثر وقوع "إذا" مضمنة معنى الشرط ولذلك تقع الفاء بعدها على حدّ وقوعها بعد إنْ كقوله تعالى (إذا لقيتُم فئةً فاثْبُتوا) ولذلك أيضا كثر وقوع الفعل بعدها ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو إذا جئتني أكرمك. ولو جعلت مكان إذا حينا أو غيره قاصدا للاستقبال لم يجز أن تأتي بلفظ الماضي. وكان مقتضى تضمنها معنى الشرط أن يجزم بها، لكن منع من ذلك ثلاثة أمور:
أحدها أن تضمنها معنى الشرط ليس بلازم، فإنها قد تتجرد منه كقوله تعالى: (ويقول الإنسان أئذا ما متُّ لسوف أُخْرَجُ حيّا) وقوله تعالى (والنجمِ إذا هوى) وقد تتجرد من الظرفية مع تجردها من الشرط نحو إنني لأعلم إذا كنت عني راضية. الثاني أنها مضافة إلى ما يليها والمضاف يقتضي جرّا لا جزْما. وإذا جُزم بها في الشعر فليست مضافة إلى الجملة، وبناؤها حينئذ لتضمنها معنى إنْ. الثالث أن ما يليها متيقِّن الكون أو في حكم المتيقن نحو آتيك إذا انتصف النهارُ، وأجيئُك إذا دعوتني، بخلاف ما يلي إنْ فإنّ كونه وعدم كونه لا رجحانَ لأحدهما على الآخر، فلما خالفتها إذا لم يُجزم بها إلا في الشعر. وإنما جاز أن يُجزم بها في الشعر لأن فيها ما في إنْ من ربْط جملة بجملة وإن لم يكن ذلك لها لازما. ومن الجزم بها قول الشاعر:
ترفعُ لي خِنْدفٌ، واللهُ يرفعُ لي ... نارًا إذا خَمدتْ نيرانُهم تَقِدِ
ومثله:
استغنِ ما أغناكَ ربُّك بالغنى ... وإذا تُصِبْك خَصاصةٌ فتَجَمَّل
ومثله:

الصفحة 211