كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

مذ الجمعة، وبمعنى جميعها في مثل لم أره مذ يومان، وما بعده خبر، والصحيح عندي أنهما ظرفان مضافان إلى جملة حذف صدرها، والتقدير: مذ كان يوم الجمعة ومذ كان يومان، وهو قول المحققين من الكوفيين. وإنما اخترته لأن فيه إجراء مذ ومنذ في الاسمية على طريقة واحدة مع صحة المعنى فهو أولَى من اختلاف الاستعمال، وفيه تخلص من ابتداء نكرة بلا مسوغ إن ادُّعي التنكير، ومن تعريف غير معتاد إن ادُّعِي التعريف. وفيه أيضا تخلّص من جعل جملتين في حكم جملة واحدة من غير رابط ظاهر ولا مقدر.
ويعامل المصدر المعين زمانه بعد مذ ومنذ معاملة الزمان المعين في الرفع والجر فيقال ما رأيته مذ قدوم زيد، والأصل مذ زمن قدوم زيد، ومنذ زمان قدوم زيد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما فعل في غير هذا المكان. وأجاز ابن كيسان أن يقال منذ جئت زيد غائب، كما يقال حين جئت زيد غائب. وقد يجران المستفهم به عن الوقت نحو مذ متى رأيته ومذ كم فقدته؟ وقد تقع أنّ وصلتها بعد مذ فيحكم لموضعها بما حكم للفظ المصدر لأنها مؤولة بمصدر. ومثال الإضافة إلى جملة مصرّح بجزأيها قول الشاعر:
ما زال مذ عقدتْ يداه إزارَه ... فسَما فأدركَ خمْسَة الأشْبار
يُدْني خوافِقَ من خوافق تَلْتقِي ... في ظِلّ مُعْتَرَكِ العَجاجِ مُثارِ
ومنه قول الآخر في منذ:
قالت أمامةُ ما لجِسْمك شاحِبا ... منذُ ابتُذلْتَ ومثل مالك يَنْفَعُ
ومثله قول الآخر في الجملة الاسمية:

الصفحة 217