كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

وقوله: قِلْنَ عُسْفانَ ثم رُحْن سِراعًا.
وقنا وعوارض وعسفان أمكنة مخصوصة.
وزعم قوم أن الطريق من الظروف القياسية، لأن لفظه صادِق على كل مكان، فإن كل مكان صالح أن يجعل طريقا، ولذلك عبر عن القفر الذي يعسل فيه الثعلب بطريق. وهذا الاعتبار فاسد لأن الطريق اسم لمكان مرور وذهاب ولا يطلق على المكان طريق لمجرد صلاحيته أن يكون طريقا كما لا يطلق عليه بيت لمجرد صلاحيته أن يكون بيتا، فالطريق إذن مكان مختص، كما أن البيت مختص. وممن قال إن الطريق حقيق بالظرفية القياسية ابن الطراوة، وزعم أنه يقال ذهبت طريقي، ومُرُّوا طرقاتكم، وقال أبو علي الشلوبين والردُّ عليه تكذيبه. قلت: ويناسب قول ابن الطراوة في الطريق حكاية السيرافي عن بعض النحويين أنه قال إنما قالت العرب ذهبت الشام؛ لأن الشام بمعنى اليسار فإنه يقال شامه إذا قابل يساره. وأجاز هذا القائل أن يقال ذهبت اليمن لأن اليمن بمعنى اليمين. ولم يُجز أن يقال في عُمان ومكة لأنه ليس فيهما ذلك المعنى. ويلزم هذا أن يجيز ذلك في العالية لأن فيها معنى فوق. هذا معنى قول السيرافي.
قلت: ولو كان قولهم ذهبت الشام لكونه بمعنى يسار لكان غير ذهبت أولى بذلك من ذهبت فكان يقال أقمت الشام كما يقال أقمت يسار الكعبة، ففي عدم معاملة غير ذهبت بهذه المعاملة دلالة على أن باعثهم على ذلك إنما هو كثرة الاستعمال، ولذلك شبهه سيبويه بدخلت البيت، وقال الفراء: العرب تعدّي ذهب وانطلق إلى جميع البلدان فيقال ذهبت الكوفة وانطلقت الغَوْرَ فعلى قول الفراء لا يختص ذهب بنصب الشام بل ينصب به كل بلد وكذا انطلق، ولا علّة لذلك إلا كثرة الاستعمال

الصفحة 228