كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

عندي أن يكون إياه في موضع رفع عطفا على "أنا" على سبيل النيابة عن ضمير الرفع، كما ناب عن ضمير الجر فيما حكى الفراء من قول العرب مررت بإيّاك قال وأنشد الكسائي:
فأحسِنْ وأجملْ في أسيركَ إنه ... ضعيفٌ ولم يأسرْ كإياكَ آسِرُ
وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير الجر في قول بعض العرب وقد سئل عن الصعلوك: هو الغداةَ كأنا، وهذا ليس ببدع، لأن أصل المبني ألّا يخصّ بموضع من الإعراب دون موضع، والمضمرات من المبنيات فلا يستبعد ذلك فيها إلا أنّ حمْل "أنا وإياه في لحاف" على باب المفعول معه أولى، لأنه قد روى في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبشِروا فوالله لأنا وكثرة الشيء أخْوفُ عليكم من قلّته" بنصب وكثرة، ذكره أبو علي الشلوبين وعضّد به ما حكاه عن الصيمري من جواز النصب في أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته.
وأشرت بقولي "ويترجح العطف إن كان بلا تكلف" إلى نحو:
فكُونوا أنتم وبني أبيكُم ... مكانَ الكُلْيَتَيْنِ من الطِحالِ
فإن العطف فيه حسن من جهة اللفظ، وفيه تكلف من جهة المعنى، لأن مراد الشاعر كونوا لبني أبيكم فالمخاطبون هم المأمورون، فإذا عطف يكون التقدير: كونوا وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود، وكذا قول الآخر:
إذا أعْجَبَتْكَ الدهرَ حالٌ من امرئٍ ... فدَعْهُ وواكِلْ أمرَهُ واللّياليا

الصفحة 260