كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

أن المستثنى إن كان بعض ما استثني منه حقيقة فهو متصل نحو قام الرجال إلا زيدا، وإن لم يكن كذلك فهو منقطع ومنفصل، وقيّدت البعض بحقيقة احترازا من المنقطع المستعمل فإنه لا يكون إلا أن يُستحضر بوجه ما عند ذكر المستثنى منه، أو ذكر ما نسب إليه نحو (فإنَّهم عَدُوٌّ لي إلّا رَبَّ العالمين) لأن عبّاد الأصنام كانوا معترفين به لقوله (إنْ كنّا لفي ضلالٍ مُبين إذ نُسوِّيكم بربّ العالمين). ولأن ذكر العبادة مذكّر بالإله الحقّ. فبذا الاعتبار لا يكون المنقطع غير بعض، إلا أن المستثنى منه لا يتناولة وَضْعا، فإن تناوله بغير ذلك فله حظّ من البعضية مجازا. ولذلك قيل له مستثنى، فإن لم يتناوله بوجه من الوجوه لم يصحّ استعماله لعدم الفائدة كقول القائل: صهلت الخيلُ إلّا البعير ورغت الإبل إلّا الفرس، فلو قال: صوّتتْ الخيل إلّا البعير لجاز؛ لأن التصويت يُستحضر بذكره الخيل وغيرها من المصوِّتات، فكان ذلك بمنزلة الداخل فيما قبله. ونبّهت باشتراط الفائدة على أن النكرة لا يستثنى منها في الموجب ما لم تُفِد، فلا يقال: جاء قوم إلا رجلا، لعدم الفائدة، فإن دخلت فائدة جاز كقوله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما). والضمير من قولي "وله بعد إلا من الإعراب" عائد على المستثنى منه إذا لم يذكر وفرّغ العامل لما بعد إلا نحو مما جاءني إلا زيد وما لقيت إلا عمرا، وما مررت إلا بعامر، فيعرب ما بعد إلا بما كان يُعرب به دونها، لأنه صار خلفا عن المستثنى منه حين تُرك وفرّغ عامله لما بعد إلا.
واحترز بالتفريغ من نحو ما قام إلا زيدٌ غلا عمرا، وما قام زيد إلا عمرا، فإن الأصل فيهما ما قام أحد إلا زيدا إلا عمرا، وما قام زيد ولا غيره إلا عمرا. وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ثم أشرت إلى أنه لا يترك المستثنى منه ويفرّغ عامله لما بعد إلّا دون نهي أو نفي صريح أو مؤول، والنهي كقوله تعالى (ولا تقولوا على الله إلا الحقّ) والنفي الصريح كقوله تعالى (وما محمدٌ إلّا رسولٌ قد خلت

الصفحة 269