كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم". فصرّح بأن نصب زيد في المثال المذكور على لغة مَن لا يُبْدِل، إنما هو بغير رأيت فتعيّن نصبه بإلا. ولم يكتف بذلك التصريح حتى قال: "ولكنك جعلته منقطعا عما عمل في الأول" فهذان تصريحان لا يتطرق إليهما احتمال غير ما قلنا إلا بمكابرة وعناد.
وقال في تاسع أبواب الاستثناء بعد أن مثل بأتاني القوم إلا أباك: "وانتصب الأب إذ لم يكن داخلا فيما دخل فيه ما قبله ولم يكن صفة، وكان العامل فيه ما قبله من الكلام". قلت: فقد جعل علة نصب الأب عدم دخوله فيما دخل فيه ما قبله، والذي دخل فيه ما قبله إسناد المعنى إلى المعنى وتأثر اللفظ باللفظ، فلزم من ذلك ألا يكون لفظ الأب منصوبا بلفظ أتى، كما لم يكن لمعناه حظّ في معناه، وإذا لم يكن النصب بأتى تعيّن أن يكون بإلّا.
فحاصل كلام سيبويه أن إلّا هي الناصبة لما استثني بها إذا لم يكن بدلا ولا مشغولا عنها بما هو أقوى. ومن نسب إليه خلافَ هذا فقد تقوّل أو غلط فيما تأول، تغمّدنا الله وإياهم برحمته وأوزعنا شكر نعمته.
وأمّا المبرّد فحكى عنه السيرافي أن نصب المستثنى بعد إلّا بأستثني مضمرا، وكلامه في المقتضب بخلاف ذلك، فإنه قال في أبواب الاستثناء: "وذلك أنك إذا قلت جاءني القوم وقع عند السامع أن زيدا فيهم، فلما قلت إلا زيدا كانت إلا بدلا من قولك لا أعني زيدا أو استثنى ممن جاءني زيدا فكانت بدلا من الفعل" فهذا نصه.
بينا أن العامل "إلّا" وأنها بدل من الفعل، ولو كان الفعل عاملا لكان في حكم الموجود ولزم من ذلك جمع بين البدل والمبدل منه في غير إتباع ولا ضرورة. وممن قال بهذا القول من المتأخرين عبد القاهر الجرجاني وإذ قد بيّنت النصوص الشاهدة بأني فيما اخترته موافق لسيبويه، فلم يبق إلّا تبيين ما يدل على صحة ذلك فأقول مستعينا بالله تعالى:

الصفحة 273