كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

فالجواب لا نسلّم أن اللائق بعامل الاسم الذي لا يشبه الفعل هو الجر خاصة، بل اللائق به عمل لا يصلح للفعل، وهو جر أو نصب لا رفع معه، فكان النصب أولى بالأربعة لأنه أخف من الجر، لكن منعت منه عدا وأختاها، لأنهن يكنّ أفعالا فيستوْجبْنَ النصب حينئذ، فلو عملته وهنّ أحرف لجُهلتْ الحرفية فتعين (الجر) بهنّ إذا كنَّ أحرفا، ولم يمنع من النصب بإلا مانع فعملت، وأيضا فإن إلا مخصوصة بكثرة الاستعمال والتعرض للتكرار، فأُوثِرتْ من بين أخواتها الحرفية بأخف الإعرابين. وإذ قد بيّنت أن الصحيح كون إلا عاملة نَقْلا واستدلالا فأذكر ما سوى ذلك من المذاهب مقرونةً بشُبهِها وبالحجج الواضحة والله المستعان.
وجملتها خمسة: أولها مذهب السيرافي، وهو أن النصب بما قبل إلا من فعل أو غيره بتعدية إلا. ويُبطل هذا المذهب صحة تكرير الاستثناء نحو قبضت عشرة إلا أربعة إلا درهما إلا ربعا، إذ لا فعل في المثال المذكور إلا قبضت، فإذا جُعل معدّى بإلا لزم تعديته إلى أربعة بمعنى الحطَّ، وإلى الدرهم بمعنى الجَبْر، وإلى الربع بمعنى الحطّ، وذلك حكم بما لا نظير له، فإنه استعمال فعل واحد معدّى بحرف واحد على معنيين متضادين. وكذا لو كررت إلا دون عطف في المعنى نحو قاموا إلا زيدا إلا عمرا فإن الثاني موافق للأول في المعنى، فلو جُعلا منصوبين بالفعل معدّى إليهما بإلا لزم من ذلك عدم النظير، إذ ليس في الكلام فعل معدّى بحرف واحد إلى شيئين دون عطف فوجب اجتنابه.
الثاني أن الناصب ما قبل إلا على سبيل الاستقلال ? وهو قول ابن خروف ? وهو أيضا حكم بما لا نظير له، وذلك أن المنصوب على الاستثناء بعد إلا لا مقتضى له غيرُها لأنها لو حذفتْ لم يكن لذكره معنى، فلو لم تكن عاملة فيه ولا موصلة عمل ما قبلها إليه مع اقتضائها إياه لزم عدم النظير فوجب اجتنابه.
والذي دعا ابن خروف إلى هذا الرأي انتصاب "غير" إذا وقعت موقع إلا المنتصب ما بعدها نحو قاموا غيرَ زيد، فنصبوها على الاستثناء بلا واسطة، قال فلو كان

الصفحة 277