كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

ش: قد تقدم أن حكم المستثنى بإلا إذا ذكرتَ المستثنى منه النصب مطلقا، وأن المراد بالإطلاق الموجب وغير الموجب. والغرض الآن تبيين المواضع التي يشرك فيها بين النصب والبدل، فإذا أحصيت علم أن لما سواها النّصب متعيّنا.
وبدأت من المواضع المشاركة بما يكون فيه البدل راجحا، فلذلك قلت: "فإن كان المستثنى بإلا متصلا" فأخرت الكلام على المستثنى المنقطع، فإن النصب فيه راجح أو واجب، وكذلك المستثنى المقدَّم، ولذلك قلت "متصلا مؤخرا" وسنين ذلك (كله) إن شاء الله تعالى. وقيّدت المستثنى منه المجوّز فيه النصب والبدل، بالمشتمل عليه نهي أو معناه أو نفي صريح احترازا من الموجب نحو ذهبوا إلا زيدا، وستظفرون إلا عمرا، وقلت المشتمل عليه ولم أقل الكائن معه أو نحو ذلك تنبيها على أن النهي أو النفي قد يوجد ولا يكون له حكم، لكونه منقوضا نحو: لا تأكلوا إلا اللحم إلا زيدا، وما شرب أحد إلا الماء إلا عمرا، فإن هذا وأمثاله بمنزلة ما لا نهي فيه، إذ المراد كلوا اللحم إلا زيد، وشربوا الماء إلا عمرا. ومن هذا القبيل ما مررت بأحد إلا قائما إلا أخاك، ذكره أبو علي في التذكرة، وقال: لا يجوز كون قائم صفة لأحد، لأن إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف، ولا كونه حالا من التاء، لأن معنى ما مررت إلا قائما: مررت بقائما، ولو قلت مررت قائما بأحد لم يجز فكذا ما في معناه. وإذا بطل هذا نسب إلى أن قائما حال من أحد، وأخاك منصوب به لأنه بعد إيجاب.
وأشرت بالمشتمل عليه نهي أو معناه إلى قول عائشة رضي الله عنها "نهى عن قتل جِنّان البيوت الأبتر وذو الطُّفيتين" فغنه محمل على تقدير لا يقتل جنان البيوت إلا الأبتر. والنفي الصريح الظاهر، والمؤول كقوله تعالى (ومَنْ يغفر الذنوب

الصفحة 280