كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

تعلم أن الأمر بخلاف ذلك، فتدخل النفي وتأتي بالكلام مثل ما كان نطق به المردود عليه، فتنصب زيدا ولا ترفعه، لأنك لم تقصد معنى ما قام إلا زيد. وكذلك إذا قال: لي عندك مائةٌ إلّا درهمين، فأردت جحد ما ادّعاه فإنك تقول: مالك عندي مائة إلا درهمين، فيكون هذا بمنزلة قولك مالك عندي الذي ادّعيته. ولو رفعت الدرهمين مقرّا بهما جاحدا الثمانية والتسعين، لأن المستثنى المبدل مما قبله في حكم الاستقلال فكأنك قلت إذا رفعت مالك عندي إلا درهمان.
وإذا اجتمع في المستثنى بإلا جميع ما أشير إليه من الاتصال والتأخر وكونه مشتملا عليه نهي أو نفي صريح أو مؤوّل وكونه غير مردود به كلام وغير متراخٍ اختير إتباعه بدلا عند البصريين وعطفا عند الكوفيين. قال أبو العباس ثعلب: كيف يكون بدلا وهو موجب ومتبوعه منفيّ؟ وأجاب السيرافي بأن قال: هو بدل منه عمل العامل فيه وتخالفهما بالنفي والإيجاب لا يمنع البدلية، لأن مذهب البدل فيه أن يجعل الأول كأنه لم يذكر والثاني في موضعه، وقد يتخالف الموصوف والصفة نفيا وإثباتا نحو: مررت برجل لا كريم ولا لبيب. قلت: ولمقوّى العطف أن يقول تخالف الموصوف والصفة كما لو لم يتخالف، لأن نفي الكرم واللَّبابة إثبات لضدَّيهما، وليس لضدّيهما تخالف المستثنى والمستثنى منه، فإن جعل زيد بدلا من أحد إذا قيل ما فيها أحدٌ إلا زيد يلزم منه عدم النظير، إذ لا بدل في غير محل النزاع إلا وتعلّق العامل به مساوٍ لتعلقه بالمبدل منه، والأمر في زيد وأحد بخلاف ذلك فيضعف كونه بدلا، إذ ليس في الإبدال ما يشبهه. وإن جُعل معطوفا لم يلزم من ذلك مخالفة المعطوفات، بل يكون نظيرا لمعطوف بلا وبل ولكن، فكان جعلُه معطوفا أولى من جعله بدلا.
وإنما رجح الإتباع في غير الإيجاب على النصب لأن معناه ومعنى النصب واحد، وفي الإتباع تشاكل اللفظين. فإن تباعَدا تباعُدا بيّنا رَجَح النصب كقولك ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناسَ إلا زيدا، ولا تنزلْ على أحد من بني تميم إن وافيتهم إلا قيْسا، لأن سبب ترجيح الإتباع طلب التشاكل وقد ضعف داعيه بالتباعُد.

الصفحة 282