كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

ما أصابهم خبره، والاستثناء منقطع. وقد روى سيبويه عن يونس وعيسى جميعا أن بعض العرب الموثوق بعربيتهم يقول: ما مررت بأحد إلا زيدا، وما أتاني أحد إلا زيدا بالنصب بعد النكرة. وهذا يقتضي جواز ما ادّعى الفراء امتناعه، فرأيه في المسألة مردود، وباب الإصابة عنه مسدود. وحكى سيبويه عمّن لم يسمّه أن المنفي إذا جاز في لفظه الإيجاب لم يجز فيه إلا النصب على الاستثناء نحو ما أتاني القوم إلا أباك، لأنه بمنزلة أتاني القوم إلا أباك. وردّ ذلك سيبويه وهو بالردّ حقيق خالفه السماع والقياس، فمن السماع الدال على البدل قوله تعالى (ما فعلوه إلا قليل منهم) وفعلوه يقع في الإيجاب. وأما القياس فإنه يقتضي جواز البدل أيضا، وذلك لأن المسوغ للبدل فيما أجمع على جواز البدل فيه الصلاحية لحذف المستثنى منه وإقامة المستثنى مقامه، وذلك موجود في نحو: ما أتاني القوم إلا أبوك كما هو موجود في ما أتى أحد إلا أبوك، فوجب تساويهما في الحكم بجواز البدل، كما تساويا في تضمن المتبوع.
وإذا توسّط المستثنى بين المستثنى منه وصفته نحو ما فيها أحد إلا زيد خير من عمرو فالإتباع عند سيبويه والمبرد أولى من النصب. ومذهب المازني عكس ذلك، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، لأن الصفة فضلة فلا اعتداد بالمقدم عليها، ولأن المستثنى في نحو ما جاء أحد إلا زيد إنما رجح اتباعه على نصبه، لأنه إذا أتبع تشاكل ما قبله لفظا ولم يختلف المعنى، فإذا أتبع وبعده صفة متبعة شاكل ما قبله ما بعده، فكان إتباعه متوسطا أولى من إتباعه غير متوسط. قال المبرد: وكان المازني يختار النصب ويقول: إذا أبدلت من الشيء فقد طرحته من لفظي وإن كان في المعنى

الصفحة 284