كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

أكُلَّ امرئٍ تَحْسبين امرأ ... ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا
واشترط بعض البصريين نقصان المخرج بالاستثناء عن الباقي، واشترط أكثرهم عدم الزيادة على الباقي فلا يجوز على القولين: عندي عشرة إلا ستة، ولا على الأول عندي عشرة إلا خمسة وهو على القول الثاني جائز، وكلاهما جائز عند الكوفيين، وهو الصحيح. وممن وافقهم ابن خروف واستدلّ بقوله تعالى: (قم الليلَ إلا قليلا نصفَه) قال فالقليل هو المستثنى وليس معلوم القدْر، فأبدل منه النصف على جهة البيان لمقدار القليل، والضمير عائد إلى الليل والمعنى قم نصْف الليل وأقلّ منه وأكثر منه. قال يخرج من هذا أن المستثنى النصف أو أقل منه أو أكثر منه (عائد إلى ضمير هذا المتقدم ... أو الأقلّ) ولا محيص.
قلت ومن استثناء الأكثر قوله تعالى: (ومَن يرغبُ عن ملَّة إبراهيم إلّا مَن سَفِه نفسه) (ومن سفه نفسه) أكثر ممن لم يسفه، فإن المراد بمن سفه المخالفون لملّة إبراهيم وهم أكثر من الذين يتبعونها. ومن استثناء الأكثر قوله تعالى (فلا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون) لأن القوم الخاسرين هم غير المؤمنين لقوله تعالى: (إنّ الإنسانَ لفي خسر إلّا الذين آمنوا).
وإذا توسّط مستثنى بين شيئين يصلح استثناؤه منهما، فالاستثناء من السابق أولى، لأن تأخّر المستثنى عن المستثنى منه هو الأصل فلا يُعدل عنه إلا بدليل. فمن ذلك قوله تعالى (قم الليل إلا قليلا) فالقليل مستثنى من الليل لا من النصف لما ذكرته. والنصف بدل من القليل، وبذلك تبيّن مقدارُ المستثنى واستفيد من الخطاب التخيير

الصفحة 293