كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

ما المجدُ إلا قد تبيَّن أنه ... بندًى وحِلْمٍ لا يزالُ مُؤَثّلا
وإنما أغنى اقتران الماضي بقد عن تقدم فعل لأن اقترانه بها يقرّبه من الحال فيكون ذلك شبيها بالمضارع. وإنما كان المضارع مستغنيا عن شرط في وقوعه بعد إلا لشبهه بالاسم، والاسم بإلا أولى لأن المستثنى لا يكون إلا اسما أو مؤوّلا باسم. وإنما أساغ تقدم الفعل وقوع الماضي بعد إلا لأن تقدم الفعل مقرونا بالنفي يجعل الكلام بمعنى كلّما كان كذا وكذا كان كذا وكذا فكان فيه فعلان كما كانا مع "كُلّما".
ص: ولا يعمل ما بعد إلا فيما قبلها مطلقا، ولا ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا به، وما ظُن من غير الثلاثة معمولا لما قبلها قدّر له عامل خلافا للكسائي في منصوب ومخفوض، وله ولابن الأنباري في مرفوع.
ش: الاستثناء في حكم جملة مستأنفة، لأنك إذا قلت جاء القوم إلا زيدان فكأنك قلت جاء القوم ما فيهم زيد، فمقتضى هذا ألا يعمل ما بعد "إلا" فيما قبلها، ولا ما قبلها فيما بعدها على الإطلاق، كما لا يعمل ما بعد ما فيما قبلها ولا ما قبلها فيما بعدها، واستمرّ على ما اقتضته هذه المسألة في منع إعمال ما بعدها فيما قبلها نحو ما زيد إلا أنا ضارب، فلا يجوز إعمال ضارب في زيد لما ذكرت لك.
بل تقدّر هاء عائدة إلى زيد ويرتفع هو بالابتداء. وكذا استمر على ما اقتضته المناسبة من عدم إعمال ما قبلها فيما بعدها إلا فيما لا مندوحة عنه من إعمال ما قبلها في مستثنى منه نحو ما قام إلا زيد أحد، أو تابع له نحو ما مررت بأحد إلا زيدا خير من عمرو، أو مستثنى فرّغ له العامل نحو ما قام إلا زيدٌ. ولم تجُز الزيادة على هذه الثلاثة لئلا تكثر مخالفة الأصل ويترك مقتضى الدليل دون ضرورة، فلا يقال ما ضرب إلا زيد عمرا، ولا ما ضرب إلا زيدا عمرو ولا سار إلا زيد بعمرو. بل الواجب أن يؤخر المقرون بإلا استمرارا على مقتضى الدليل المذكور.
فإن ورد ما يخالف ذلك قدّر له عامل بعد إلا كقوله تعالى (وما أرسلنا من

الصفحة 304