كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

وذلك قول المرار العجليّ:
ولا يَنْطقُ الفحشاءَ مَن كان منهم ... إذا جلسوا مِنّا ولا مِن سوائنا
ثم قال: "فعلوا ذلك لأن معنى سواء معنى غير".
قلت: قد صرّح سيبويه بأن معنى سواء معنى غير، فلذلك يستلزم انتفاء الظرفية كما هي منتفية عن غير، فإن الظرف في العُرْف ما ضُمّن معنى "في" من أسماء الزمان أو المكان، وسوى ليس كذلك فلا يصح كونه ظرفا. وإن سُلِّم كونه ظرفا لم يُسلَّم لزوم الظرفية للشواهد التي تقدّم ذكرها نثرا ونظما، فإن تعلّق في ادعاء الظرفية بقول العرب: رأيت الذي سواك، فوصلوا الموصول بسواك وَحْدَه كما وصلوه بعِنْدي ونحوه من الظروف.
فالجواب أن يقال لا يلزم من معاملته معاملة الظرف كونه ظرفا، فإن حرف الجر يعامل معاملة الظرف ولم يكن بذلك ظرفا، وإن سُمّي ظرفا فمجاز، وإن أُطلق على "سوى" ظرف إطلاقا مجازيا لم يمتنع. وإنما يمتنع تسميته ظرفا بقصد الحقيقة. وإن كان ذلك مع عدم التصرف فامتناعه أحقُّ.
فإن قيل فلِمَ استُجيز الوصل بسوى ولم يُستجر بغير وهما بمعنى واحد، فعن ذلك جوابان: أحدهما أن هذا من النوادر كنصب "غُدْوةً" بعد "لدُنْ" وكإضافة "ذي" إلى تسلم في قولهم: اذهبْ بذي تَسْلَم. والثاني أن سوى لازمة الإضافة لفظا ومعنى فشبّه بعند وَلدي في ذلك مع كثرة الاستعمال، فعُومِل بالوصل به معاملتهما، ولم تعامل "غير" هذه المعاملة، لأنها قد تنفك عن الإضافة لفظا.
فإن قيل: فما موضع سوى من الإعراب بعد الموصول؟ قلت يحتمل أن يكون موضعه رفعا على أنه خبر مبتدأ مضمر، ويحتمل أن يكون موضعه نصبا على أنه حال، وقبله ثبت مضمرا، كما أضمر قبل أنّ في قولهم: "لا أفعل ذلك ما أنّ حِراء مكانه". ويقوّي هذا الوجه قول مَن قال: رأيت الذي سواكَ، بالنصب، ونظيره أيضا

الصفحة 316