كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

نحنُ وطِئْنا خُسَّئًا دِياركم ... إذْ أسْلمتْ كُماتُكم ذِمارَكم
فقد يتوهم سامع هذا أن خسّأ بمعنى بعداء مزدجرين كقوله تعالى (كُونوا قِرَدةً خاسئين) فيجعله حالا من ضمير المخاطبين، ويقول قد تقدم حال المضاف إليه على المضاف وليس كذلك. ولكن خسّأ جمع خاسِئ بمعنى زاجر من قولهم خسأتُ الكلب، أي أبعدته وزجرته، فهو حال وصاحبه الفاعل من وطئنا. وقد يتوهم أن فُرَّارا من قول الشاعر:
ليستْ تُجرِّحُ فُرَّارًا ظُهورُهم ... وفي النُّحورِ كُلُومٌ ذاتُ أبْلادِ
حال من الهاء والميم، وظهورهم مرفوعة بتجرّح على أنه مفرغ وليس كذلك، بل تجرح مسند إلى ضمير الجماعة الموصوفة وهو صاحب الحال، وظهورهم بدل بعض من كل. وهذا توجيه لا تكلف فيه.
وإذا كان صاحب الحال مجرورا بحرف لم يجز عند أكثر النحويين نحو مررت بهند قائمة فيخطئون مَن يقول مررت قائمة بهند، ودليلهم في منع ذلك، أن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك خوف التباس الحال بالبدل، وأن فعلا واحدا لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير. وبعضهم يعلل منع التقدم بالحمل على حال المجرور بالإضافة. وبعضهم يعلل بأن حال المجرور شبيه بحال عمل فيه حرف جر مضمن معنى الاستقرار نحو زيد في الدار متكئا، فكما لا يتقدم الحال على حرف الجر في هذا وأمثاله، لا يتقدم عليه نحو: مررت بهند جالسة.
وهذه شبه وتخيلات لا تستميل إلّا نفس مَن لا تثبّت له، بل الصحيح جواز التقديم في نحو مررت بهند جالسة، وإنما حكمت بالجواز لثبوته سماعا، ولضعف

الصفحة 336