كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

دليل المنع. أما ثبوته سماعا ففي قوله تعالى (وما أرْسلناك إلا كافّة للناس) وفيه ثلاثة أقوال: أحدها أن كافة صفة لإرسالة فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وهو قول الزمخشري. والثاني أن كافة حال من الكاف وهو قول الزجاج والتاء فيه للمبالغة. والثالث أن كافة حال من الناس، والأصل للناس كافة، أي جميعا، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب أبي علي وابن كيسان، أعني تقديم حال المجرور بحرف، حكاه ابن برهان وقال: "وإليه نذهب، كقوله تعالى (وما أرسلناك إلا كافّةً للناس) وكافة حال من الناس وقد تقدم على المجرور باللام، وما استعملت العرب كافة قط إلا حالا". كذا قال ابن برهان. وكذلك أقول، ولا يلتفت إلى قول الزمخشري والزجاج؛ أما الزمخشري فلأنه جعل كافة صفة ولم تستعمله العرب إلا حالا، وهذا شبيه بما فعل في خطبة المفصل من إدخال باء الجر عليه. وإضافته، والتعبير به عما لا يعقل.
وليته إذ أخرج كافة عن استعمال العرب سلك به سبيل القياس، بل جعله صفة موصوف محذوف، ولم تستعمله العرب مفردا ولا مقرونا بالصفة أعني إرسالة، وحق الموصوف المستغنى بصفته أن يعاد ذكره مع صفته قبل الحذف، وألا تصلح الصفة لغيره، والمشار إليه بخلاف ذلك فوجب الإعراض عما أفضى إليه.
وأما الزجاج فبطلان قوله بيّن أيضا؛ لأنه جعل كافة حالا مفردا ولا يعرف ذلك من غير محل النزاع، وجعله من مذكر مع كونه مؤنثا، ولا يتأتى ذلك إلا بجعل تائه للمبالغة وبابه مقصور على السماع، ولا يتأتي غالبا ما هي فيه إلا على أحد أمثله المبالغة كنسّابة وفَروقة ومِهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها،

الصفحة 337