كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

مَشغوفةً بك قد شُغِفتُ وإنّما ... حُتم الفراقُ فما إليك سبيلُ
أراد شغفت بك مشغوفة.
وإذ قد بيّنت دلائل السماع مستوفاة، فلْأبيّن ضعف شبه المنع، فمن ذلك ادعاء أن حق الحال إذا عُدي العامل لصاحبه بواسطة أن يُعدّى إليه بتلك الواسطة، فيقال لمدّعي ذلك: لا نسلم هذا الحق حتى يترتب عليه التزام التأخير تعويضا، بل حق الحال لشبهه بالظرف أن يستغنى عن واسطة، على أن الحال أشد استغناء عن الواسطة، ولذلك يعمل فيها ما لا يعدى بحرف الجر كاسم الإشارة وحرف التنبيه والتشبيه والتمني. ومن الشُّبَه التزام التأخير إجراء لحال المجرور بحرف مجرى حال المجرور بإضافة فيقال لصاحب هذه الشبهة المجرور بحرف كالأصل للمجرور بالإضافة، فلا يصلح أن يحمل المجرور بحرف عليه، لئلا يكون الأصل تابعا والفرع متبوعا، وأيضا فالمضاف بمنزلة موصول والمضاف إليه بمنزلة صلة، والحال منه بمنزلة جزء صلة، فوجب تأخيره، كما يجب تأخير أجزاء الصلة، وحال المجرور بحرف لا يشبه جزء صلة فأجيز تقديمه إذ لا محذور في ذلك.
ومن الشبه تشبيه مررت بهند جالسة بباب زيد في الدار متكئا، وإلحاق أحدهما بالآخر، فيقال للمعتمد على هذا: بين البناءين بَون بعيد، وتفاوت شديد، فإن جالسة من قولنا مررت بهند جالسة منصوب بمررت وهو فعل متصرف لا يفتقر في نصب الحال إلى واسطة، كما لا يفتقر إليها في نصب ظرف أو مفعول له أو مفعول مطلق، وحرف الجر الذي عداه لا عمل له إلا الجر ولا جيء به إلا لتعدية مررت، والمجرور به بمنزلة منصوب فيتقدم حاله، كما يتقدم حال المنصوب، ولكونه بمنزلة المنصوب أجرى في اختيار النصب "أزيدا مررت به" مجرى أزيدا لقيته. وأما متكئا في المسألة الثانية فمنصوب بفي لتضمنها معنى الاستقرار، وهي أيضا رافعة ضميرا عائدا على زيد وهو صاحب الحال فلم يجز لنا أن نقدم متكئا على في لأن العمل لها وهي عامل ضعيف متضمن معنى الفعل دون حروفه، فمانع التقديم في نحو زيد

الصفحة 339