كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

كما يقال في الأخبار زيد راكب مفارق عامرا مصاحب عمرا. وفي النعت مررت برجل راكب مفارق زيدا مصاحب عمرا. وزعم ابن عصفور أن فعلا واحدا لا ينصب أكثر من حال واحد لصاحب واحد قياسا على الظرف وقال: كما لا يقال قمت يوم الخميس يوم الجمعة، لا يقال جاء زيد ضاحكا مسرعا. واستثنى الحال المنصوبة بأفعل التفضيل نحو زيد راكبا أحسن منه ماشيا. قال: فجاز هذا كما جاز في الظرف زيد اليوم أفضل منه غدا، وزيد خلفك أسرع منه أمامك. ثم قال: وصح ذلك في أفعل التفضيل، لأنه قام مقام فعلين. ألا ترى أن معنى قولك زيد اليوم أفضل منه غدا: زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا.
قلت: تنظير ابن عصفور جاء زيد ضاحكا مسرعا بقمت يوم الخميس يوم الجمعة لا يليق بفضله، ولا يقبل من مثله، لأن وقوع قيام واحد في يوم الخميس ويوم الجمعة محال، ووقوع مجيء واحد في حال ضحك وحال إسراع غير محال. وإنما نظير قمت يوم الخميس يوم الجمعة جاء زيد ضاحكا باكيا، لأن وقوع مجيء واحد في حال ضحك وحال بكاء محال، كما أن وقوع قيام واحد في يوم الخميس ويوم الجمعة محال. ولكن المشرفي قد ينبو واللاحقي قد يكبو. على أنه يجوز أن يقال جاء زيد ضاحكا باكيا إذا قصد أن بعض مجيئه في حال ضحك وبعضه في حال بكاء.
ومثال تعدد الحال مع تعدد صاحبها بجمع جاء زيد وعمرو مسرعين، ولقى بشر عمرا راكبين، فالأول مثال تعدد الحال بجمع لتعدد صاحبها مع اتحاد إعرابيهما، والثاني مثال التعدد والجمع مع اختلاف الإعرابين. ومن الأول قوله تعالى (وسَخّر لكم الشمسَ والقمرَ دائبين). ومنه هذه ناقة وفصيلها راتعَيْن، على قول من جعل فصيلها معرفة وهي أفصح اللغتين، ومن جعله نكرة على تقدير الانفصال قال هذه ناقة وفصيلها راتعان، على النعت. ومن الثاني قول عنترة:

الصفحة 349