كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 2)

جليلا. ومنها المؤكدة بيان تصاغر نحو أنا عبدك فقيرا إلى عفوك. ومنها المؤكدة بيان تحقير نحو هو فلان مأخوذا مقهورا. ومنها المؤكدة بيان وعيد نحو أنا فلان متمكنا منك فاتَّق غضبي. ومنه قول الراجز:
أنا أبو المِرْقالِ عَفًّا بَطْنًا ... لمَن أُعادِي مِدْسَرًا دَلنْظا
ولا تكون هذه الحال أعني المؤكدة لهذه المعاني إلا بلفظ دال على معنى ملازم أو شبيه بالملازم في تقدم العلم به، وتقدير عاملها بعد الخبر أحقه أو أعرفه إن كان المخبر عنه غير أنا، وإن كان أنا فالتقدير أحق أو أعرف أو اعرفني. وهذا أولى من قول الزجاج هو الخبر لتأوله بمسمى، وأولى من قول ابن خروف إن العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى تنبه. وأشرت بقولي أو شبيه بالملازم في تقدم العلم به إلى قول سيبويه وذلك أن رجلا من إخوانك ومعرفتك لو أراد أن يخبرك عن نفسه أو غيره بأمر فقال أنا عبد الله منطلقا، أو هو زيد منطلقا كان محالا، لأنه إنما أراد أن يخبر بالانطلاق ولم يقل هو لا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية، لأن هو وأنا علامتان للمضمر، وإنما يضمر إذا علم أنك قد عرفت مَن يعني. ثم قال: إلا أن رجلا لو كان خلف حائط أو في موضع تجهله فيه فقلت مَن أنت؟ فقال أنا عبد الله منطلقا في حاجتك كان حسنا.
قلت الانطلاق في الأول مجهول والإعلام به مقصود غير مستغنى عنه، فحقه أن يرفع بمقتضى الخبرية. فالاسم الذي قبله معلوم مستغنى عن ذكره، فحقه ألا يجعل خبرا، وإذا جعل خبرا ما حقه ألا يكون خبرا، وجعل فضلة ما حقه أن يكون عمدة لزم كون الناطق بذلك مجهولا، وكون المنطوق به محالا عما هو به أولى. فهذا معنى قول سيبويه: كان محالا، وإنما استحسن قول من قال أنا عبد الله منطلقا في حاجتك، لأن السائل كان عنده منطلقا في حاجته من قبل أن يقول له: من أنت؟

الصفحة 358