كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

على أن مثلهم مبتدأ.
ولا ينبغي لمثل أن يجرى مجرى "غير" لأنه وإن وافقه في أن دلالته على معناه لا تتم إلا بما يضاف إليه، فقد خالفه بمشابهة التام في الدلالة في قبول التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق منه. وكل ما استشهدوا به على البناء مخرّج على الإعراب أحسن تخريج. فيجعل "حق" اسم فاعل من حق يحق، ثم قصر كما فعل ببارّ وسارّ حين قيل فيهما بَرّ وسرّ، وبقي فيه الضمير الذي كان فيه قبل القصر، وجعل مثله حالا منه وأما قراءة من قرأ "أن يصيبكم مثلَ ما أصاب" بالنصب فوجهه أنه منصوب على المصدرية وفاعل يصيبكم ضمير عائد على الله من (وما توفيقي إلا بالله) كأنه قيل: ولا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم الله مثل إصابة قوم نوح. وإنما يحتاج إلى هذا إذا سُلّم بناء غير وما بعده في المواضع المذكورة، وهو وإن كان أشهر من بناء "مثل" ضعيف عندي، لأن الإضافة فيها قياسية فلا ينبغي أن تكون سبب بناء، لأنها من خصائص الأسماء فحقها أن تكف سبب البناء وتغلبه، لأنها تقتضي الرجوع إلى الأصل، والسبب الكائن معها يقتضي الخروج عن الأصل. وما يدعو إلى مراجعة الأصل راجح على ما يدعو إلى مفارقته. ولذلك رجح شبه "أي" بكل وبعض على شبهها بحرفي الشرط والاستفهام في المعن، وبالحرف المصدري في لزوم الافتقار. فإذا ثبت هذا وجب توجيه ما أوهم بناء غير وشبهه للإضافة إلى مبني بما لا يخالف الأصول ولا يعسر القبول. فيخرج قول بني أسد وقضاعة: ما جاء غيرَك، بفتح الراء على أن يكون المراد: ما جاء جاءٍ غيرك، فنصب غيرك على أنه حال أو منتصب على الاستثناء. وسوغ حذف "جاءٍ" وهو فاعل لأنه بعد نفي العموم فيه مقصود. وحذف مثل هذا بعد النفي والنهي كثير. فمن وقوعه بعد النفي قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، أي ولا يشرب الشارب. ومثله قول الراجز:

الصفحة 263