كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

لم توجد فيه قرينة تدل على المراد كقوله: مررت بالقرية فأكرمتني، فإنه جائز. وإن كان أهل القرية والقرية صالحين لتعدية الممرور إليهما حقيقة، لكن ذكر الإكرام بين أن المراد الأهل فجاز الحذف. وكذلك لو فهم المعنى بغير قرينة لفظية لم يمتنع الحذف أيضا. ومنه قول عمر بن أبي ربيعة – رحمه – الله:
لا تلُمْني عتيقُ حسبي الذي بي ... إنّ بي ياعتيقُ ما قد كفاني
أراد بعتيق ابن أبي عتيق. كذا قال من عنى بشعر ابن أبي ربيعة. ومن هذا النوع قول الشاعر:
فمن كان يرجو الصُّلْح فيه فإنّه ... كأحْمر عادٍ أو كُليبٍ لوائل
أراد كأحمر أمثال عاد، لأن المراد عاقر الناقة وهو من ثمود لا من عاد، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه مع صلاحيته للاستبداد بعمل العامل. ومثله:
وماذيًّا تخيَّره سُلَيْمٌ ... يكادُ شُعاعُه يُعْشي العيونا
أراد تخيره أبو سليمان، فرخّم سليمان مضطرا للاستبداد بفاعلية "تخيّر". ومن مستحسن هذا النوع قول الشاعر:
فدقّتْ وجلّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَتْ ... فلو جُنّ إنسانٌ من الحُسْن جُنّت
أراد: فدقّ خصرها، وجلت عجيزتها، واسبكرت قامتها، وأكملت محاسنها، فحذفت مع صلاحية المضاف إليه لفاعلية كل واحد من هذه الأفعال، لأن عطف بعضها على بعض يبين المعنى فحسن الحذف.
ونبهت بقولي: "ونائبا عنه فيما جيء بالإعراب لأجله" على وقوع المضاف إليه خلفا عن المضاف فيما كان له من فاعلية، نحو بنو فلان يطؤهم الطريق. ومن مفعولية نحو: "واسأل القرية"، ومن ظرفية نحو: أتيتك طلوعَ الشمس، ومن

الصفحة 267