كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

اجتمعت غايتا القوة والضعف في قول الشاعر:
قهرناكم حتى الكماةَ فإنكم ... لتَخْشَوْننا حتى بنينا الأصاغرا
فالمعطوف في هذه الأمثلة بعضٌ مُحقَّق.
وقد يكون شبيها ببعض لا بعضا، كقولك: أعجبتني الجاريةُ حتى حديثُها، فالحديث ليس بعضا، ولكنه كبعض، لأنه معنى من معاني المحدث.
والمعتمد عليه فيما يصح عطفه بحتى أن يصح استثناؤه بإلا، فيصح: أعجبتني الجارية حتى حديثها، كما يصح: أعجبتني الجارية إلا حديثَها، ويمتنع: أعجبتني الجارية حتى ابنها، كما يمتنع: أعجبتني الجارية إلا ابنها.
وقد يكون المعطوف بحتى مباينا، فيقدر بعضيته بالتأويل، كقول الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يُخَفَّفَ رحلَه ... والزادَ حتى نعله ألقاها
فعطف بحتى النعل، وليست بعضا لما قبلها، ولكنها بالتأويل بعض، لأن المعنى: ألقى ما يثقله حتى نعله. ويروى بالجر والرفع.
وقيدت الغاية بأن يكون ذكرها مفيدا. تنبيها على أنك لو قلت: أتيتك الأيام حتى يوما، لم يجز، لأنه لا فئفائدة فيه. وهكذا لو قلت في الاستثناء: صمت الأيام إلا يوما. فلو وقِّتَ ما بعد حتى وإلا حَسُن، وكانت فيه فائدة، نحو: صمت الأيام حتى يوم الجمعة، وإلا يوم الجمعة.
وإن عطف بحتى على مجرور وخيف توهم كون المعطوف مجرورا بحتى لزم إعادة الجار، نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره. فإن أُمِن ذلك لم تلزم إعادة الجار

الصفحة 358