كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

نحو: عجبت من القوم حتى بنيهم، ونحو قول الشاعر:
جودُ يُمْناك فاضَ في الخلق حتى ... بائسٍ دان بالإساءة حينا
وحتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو، فجائز كون المعطوف بها مصاحبا كقولك: قدم الحجاج حتى المشاة في ساعة كذا، وجائز كونه سابقا كقولك: قدموا حتى المشاة متقدمين. ومن زعم أنها تقتضي الترتيب في الزمان فقد ادعى مالا دليل عليه. وفي الحديث: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" وليس في القضاء ترتيب، وإنما الترتيب في ظهور المقضيات، قال الشاعر:
لقوميَ حتى الأقدمون تمالئوا ... على كلِّ أمرٍ يُورِث المجد والحمدا
فعطف بحتى الأقدمين مع كونهم بيقين متقدمين.
وأم المعتمد عليها في العطف هي المتصلة، نحو: أزيد عندك أم عمرو؟ وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا تحصل الفائدة إلا بهما، وشرط ذلك أن يكون متبوعها مسبوقا بهمزة صالح موضعها لأي، كالواقعة في: أزيد عندك أم عمرو؟ وفي قوله تعالى: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) و: (إنْ أدري أقريب أم بعيد توعدون) و: (أذلك خير أم جنة الخلد) و: (أذلك خيرٌ نزلا أم شجرة الزقوم) و: (أأنتم أشد خلقا أم السماء).

الصفحة 359