كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

ش: معنى المقرر الممكن فيما يراد به من ثبوت، نحو: (بل تُؤْثِرون الحياة الدنيا) أو نفي نحو: (بل لا تُكْرمون اليتيم) فما بعد بل مقرر على كل حال. فإن كان قبلها نهي أو نفي، فهي بين حكمين مقررين، كقوله تعالى: (ولا تحسبنّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌ) وكقولك: لا تضرب خالدا بل بشرا، وما قام زيد بل عمرو، فخالد قد قرر النهي عن ضربه، وبشر قد قرر الأمر بضربه. وزيد قد قرر نفي القيام عنه، وعمرو قد قرر إثبات القيام له. هذا هو الصحيح، ولذلك لم يجز فيما بعد بل من نحو: ما زيد قائما بل قاعد، إلا الرفع، لأن "ما" لا تعمل إلا في منفي. ووافق المبرد في هذا الحكم، وأجاز مع ذلك أن تكون بل ناقلة حكم النهي والنفي لما بعدها، وهو خلاف الواق في كلام العرب، كقول الشاعر:
لو اعتَصَمْتَ بنا لم تعتصمْ بعِدًى ... بل أولياءَ كفاةٍ غيرِ أوكالِ
ومنه قول الآخر:
وما انتَمَيْتُ إلى خُورٍ ولا كُشُف ... ولا لئامٍ غداةَ الرَّوْع أوْزاع
بل ضاربين حَبِيك البِيض إن لحقوا ... شُمِّ العرانين عند الموت لُذّاعِ
وكقول الآخر:
لا تلقَ ضيفا وإنْ أمْلَقْت مُعْتَذِرا ... بعُسْرةٍ بل غَنِيَّ النَّفس جَذْلانا

الصفحة 368