كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 3)

وحكم النفي المؤول حكم النفي الصريح، نحو: زيد غير قائم بل قاعد، ومنه قوله تعالى: (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم يُنصرون * بل تأتيهم بغتة) ومثله: (أغيرَ الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون).
وإن كان ما قبل بل موجبا، فما بعدها إما مقرر بعد مقرر على سبيل التوطئة كقوله تعالى: (إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وكقول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: "رب إنا كنا على عمل أهل النار كالأنعام بل أضل سبيلا".
وإما مقرر بعد مردود كقوله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) وكقوله تعالى: (أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق).
وإما مقرر بعد مرجوع عنه لكونه غلطا في اللفظ نحو: أنت عبدي، بل سيدي. أو لكونه غلطا في الإدراك نحو: سمعت رغاء بل صهيلا، ولاح برق في ضوء نار. أو بعروض نسيان نحو: له عليّ درهمان بل ثلاثة. أو لتبدل رأي نحو: ادع لي زيدا بل عمرا، وائتني بفرس بل بعير، واشتر لي زيتا بل سمنا.
وقد تكرر بل، فيكون ما بعد المتقدمة مقصود الانتفاء، كقوله تعالى: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) فما بعد الأول من الإخبار بالأضغاث مقصود الانتفاء لأنه مرجوع عنه، وكذا ما بعد الثانية. وقد تكرر تنبيها على أولوية المتأخرة بالقصد إليه، والاعتماد عليه، مع ثبوت معنى ما قبله، كقوله تعالى: (بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون) وتزاد "لا" قبل بل لتأكيد الإضراب عن الأول، نحو: قام زيد لابل عمرو، وخذ هذا لا بل

الصفحة 369