كتاب شرح التسهيل لابن مالك (اسم الجزء: 4)

نرضى عن الله إنّ الناس قد علموا ... ألا يُدانينا من خلقة بشرُ
وهو مذهب حسن لأنه قد جاء به السماع، ولا يأباه القياس.
ولو كان العلم مؤولا بغيره جاز عند الأخفش وسيبويه في أنْ بعده أن تكون الناصبة، فيقال: ما علمت إلا أن تقومَ. لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك: أشير عليك أن تقوم. ومنعه المبرد نظرا إلى ظاهر اللفظ. وإذا جاز مثل ذلك بعد العلم غير المؤول، فجوازه بعد المؤول أولى.
ولا يمتنع أن تجري أن المصدرية بعد الخوف المؤول بالعلم لتيقن المخوف مجراها بعد العلم، فيرتفع الفعل بعدها، لأنها المخففة من الثقيلة، قال سيبويه: "ولو قال: أخشى أن تفعلُ، يريد أن يخبره أنه يخشى أمرا مشتهرا عنده أنه كائن، جاز، وليس وجه الكلام".
وقال أبو الحسن: وأما خشيت ألا تكرمني، فنصب، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك، كأنك جرّبته فكان لا يكرمك، فقلت: خشيت ألا تكرمُني، أي خشيت أنك لا تكرمني، جاز. ومنع ذلك المبرد، وأنشدوا في الرد عليه:
إذا مِتُّ فادفنِّي إلى جنب كَرْمَةَ ... تُرَوِّي عظامي في الممات عُرُوقُها
ولا تدفنَنِّي في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مِتُّ ألا أذوقُها
وأشار بقوله: "ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين" إلى قوله في بعض الحواشي: وجدت بخط الجواليقي أن سلمة أخبر عن الفراء عن الكسائي عن الرؤاسي قال: فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، وعنده أن مستند الراوي في ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله:
لقد طال كِتماني عزيزةَ حاجةً ... من الحاج لا تدري عزيزةُ ما هيا
أحاذر أنْ تعلم بها فتردَّها ... فتتركها ثِقْلا علّ كما هيا

الصفحة 13