كتاب صحيح ابن خزيمة (مع تعليقات محمود خليل) (اسم الجزء: 3)

أَفَيَجُوزُ لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ : الشُّرْبُ جَائِزٌ لِلصَّائِمِ ، وَلاَ يُفَطِّرُ الشُّرْبُ الصَّائِمَ ؟ إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ وَهُوَ صَائِمٌ بِالشُّرْبِ , فَلَمَّا امْتَنَعُوا شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَشَرِبُوا ، فَمَنْ يَعْقِلُ الْعِلْمَ ، وَيَفْهَمُ الْفِقْهَ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ مُضْطَرًّا وَأَصْحَابُهُ لِشُرْبِ الْمَاءِ , وَقَدْ كَانُوا نَوَوَا الصَّوْمَ ، وَمَضَى بِهِمْ بَعْضُ النَّهَارِ ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا ، إِذْ كَانُوا فِي السَّفَرِ لاَ فِي الْحَضَرِ ، وَكَذَلِكَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ ؛ لأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الشُّرْبُ - وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ مُفْطِرًا - جَازَ لَهُ الْحِجَامَةُ - وَإِنْ كَانَ بِالْحِجَامَةِ مُفْطِرًا - فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ ، فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ وَتَمْوِيهٌ عَلَى مَنْ لاَ يُحْسِنُ الْعِلْمَ وَلاَ يَفْهَمُ الْفِقْهَ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَائِلِهِ خِلاَفُ دَلِيلِ كِتَابِ اللهِ وَخِلاَفُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِلاَفُ قَوْلِ أَهْلِ الصَّلاَةِ مِنْ أَهْلِ اللهِ جَمِيعًا إِذَا جُعِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا قَدْ دَلَّ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هِيَ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ الصِّيَامِ ، وَالنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ عِتْقَ رَقَبَةٍ إِنْ وَجَدَهَا وَصِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ ، أَوْ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ ، وَالْمُجَامِعُ لاَ يَدْخُلُ جَوْفَهُ شَيْءٌ فِي الْجِمَاعِ ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ إِنْ أَمْنَى ، وَقَدْ يُجَامِعُ مِنْ غَيْرِ إِمْنَاءٍ فِي الْفَرْجِ ، فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ أَيْضًا مَنِيٌّ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِمْنَاءٍ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلاَ يَدْخُلُ جَوْفَ الْمُجَامِعِ شَيْءٌ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ إِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ هَذِهِ صِفَتُهُ ، وَالنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا يُفَطِّرُهُ الاِسْتِقَاءُ عَلَى الْعَمْدِ ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلاَةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاِسْتِقَاءَ عَلَى الْعَمْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ لاَ يُفَطِّرُهُ إِلاَّ مَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ كَانَ الْجِمَاعُ وَالاِسْتِقَاءُ لاَ يُفَطِّرَانِ الصَّائِمَ ،

الصفحة 229