كتاب صحيح ابن خزيمة (مع تعليقات محمود خليل) (اسم الجزء: 3)

احْتَجُّوا بِخَبَرِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى وَامْرَأَةٌ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَالْمَرْأَةَ خَلْفَ ذَلِكَ ، فَقَالُوا : إِذَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهَا ، جَازَ صَلاَةُ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَهَذَا الاِحْتِجَاجُ عِنْدِي غَلَطٌ ؛ لأَنَّ سُنَّةَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهَا أَنْ تَقُومَ بِحِذَاءِ الإِِمَامِ وَلاَ فِي الصَّفِّ مَعَ الرِّجَالِ ، وَالْمَأْمُومُ مِنَ الرِّجَالِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا ، فَسُنَّتُهُ أَنْ يَقُومَ عَنْ يَمِينِ إِمَامِهِ ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَامُوا فِي صَفٍّ خَلْفَ الإِِمَامِ حَتَّى يَكْمُلَ الصَّفُّ الأَوَّلُ ، وَلَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُومَ خَلْفَ الإِِمَامِ وَالْمَأْمُومُ وَاحِدٌ ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ فَعَلَهُ فَاعِلٌ - فَقَامَ خَلْفَ إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ قَدْ قَامَ عَنْ يَمِينِهِ - خِلاَفُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِ إِعَادَةِ الصَّلاَةِ ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا قَامَتْ خَلْفَ الصَّفِّ وَلاَ امْرَأَةَ مَعَهَا وَلاَ نِسْوَةَ فَاعِلَةٌ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَمَا هُوَ سُنَّتُهَا فِي الْقِيَامِ ، وَالرَّجُلُ إِذَا قَامَ فِي الصَّفِّ وَحْدَهُ فَاعِلٌ مَا لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ ، إِذْ سُنَّتُهُ أَنْ يَدْخُلَ الصَّفَّ فَيَصْطَفَّ مَعَ الْمَأْمُومِينَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَنْ يُشَبَّهَ مَا زُجِرَ الْمَأْمُومُ عَنْهُ - مِمَّا هُوَ خِلاَفُ سُنَّتِهِ فِي الْقِيَامِ - بِفِعْلِ امْرَأَةٍ فَعَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ مِمَّا هُوَ سُنَّتُهَا فِي الْقِيَامِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهَا ؟ فَالْمُشَبِّهُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مُغَفَّلٌ بَيِّنُ الْغَفْلَةِ مُشَبِّهٌ بَيْنَ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ ، إِذْ هُوَ مُشَبِّهٌ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِمَأَمْورٍ بِهِ ، فَتَدَبَّرُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ يَبِنْ لَكُمْ بِتَوْفِيقِ خَالِقِنَا حُجَّةُ مَا ذَكَرْنَا.
وَزَعَمَ مُخَالِفُونَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَامَتْ فِي الصَّفِّ مَعَ الرِّجَالِ حَيْثُ أُمِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُومَ أَفْسَدَتْ صَلاَةَ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا ، وَمَنْ عَنْ شِمَالِهَا ، وَالْمُصَلِّي خَلْفَهَا ، وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُومَ فِي الصَّفِّ مَعَ الرِّجَالِ ، فَكَيْفَ يُشَبَّهُ فِعْلُ امْرَأَةٍ - لَوْ فَعَلَتْ أَفْسَدَتْ صَلاَةَ ثَلاَثَةٍ مِنَ الْمُصَلِّينَ - بِفِعْلِ مَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهِ ؟ إِذَا فَعَلَهُ لاَ يُفْسِدُ فِعْلُهُ صَلاَةَ أَحَدٍ.

الصفحة 31