كتاب مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (اسم الجزء: 1)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَأَحْكَامِ الْمَحْكُومِ فِيهِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الآدَمِيُّ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَهْمُ الْخِطَابِ، لأَنَّ التَّكْلِيفَ خِطَابٌ، وَخِطَابُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ وَلا فَهْمَ مُحَالٌ1، وَلأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ مَطْلُوبٌ حُصُولُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ طَاعَةً وَامْتِثَالاً. لأَنَّهُ مَأْمُورٌ، وَالْمَأْمُورُ يَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ إيقَاعَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ وَالامْتِثَالِ، وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْفَهْمِ، لأَنَّ مَنْ لا يَفْهَمُ لا يُقَالُ لَهُ: افْهَمْ، وَلا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ2 يَسْمَعْ: اسْمَعْ، وَلا لِمَنْ لا3 يُبْصِرُ: أَبْصِرْ4.
فَلا يُكَلَّفُ مُرَاهِقٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ فَهْمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْصُودِ5. فَجَعَلَ الشَّارِعُ الْبُلُوغَ عَلامَةً لِظُهُورِ الْعَقْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ: عَنْ6 النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ - وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى7 يَحْتَلِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَبْلُغَ- وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ" 8، وَلأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ وَالْبِنْيَةِ، وَلا بُدَّ مِنْ
__________
1 انظر: مناهج العقول 1/ 170، المستصفى 1/ 83، الروضة ص26.
2 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: لا.
3 في ع: لم.
4 انظر: المستصفى 1/ 83، الإحكام، الآمدي 1/ 150، أصول السرخسي 2/ 340، فواتح الرحموت 1/ 153، المسودة ص35، القواعد والفوائد الأصولية ص15، 16، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، إرشاد الفحول ص11.
5 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 151، العضد على ابن الحاجب 1/ 15، المراجع السابقة.
6 ساقطة من ز ب ع.
7 ساقطة من ش.
8 رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عن عائشة وعلي وعمر بألفاظ متقاربة. قال السيوطي: حديث صحيح. "انظر: سنن أبي داود 4/ 198، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/ 685، سنن ابن ماجة 1/ 658، المستدرك 4/ 389، كشف الخفا 1/ 434، فيض القدير 4/ 35، مسند أحمد 6/ 100".
الصفحة 499