كتاب مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (اسم الجزء: 2)

وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَقْرُوءُ، وَالتِّلاوَةَ هُوَ الْمَتْلُوُّ1.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا. فَإِنَّمَا أَرَادَ حَسْمَ الْمَادَّةِ، لِئَلاَّ يَتَدَرَّجَ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ. كَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. حَسْمًا لِلْمَادَّةِ2. اهـ. وَإِلاَّ فَلا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ3.
وَقَالَ مَالِكٌ الصَّغِيرُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ4: "إنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ. وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِذَاتِهِ، وَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ، لا كَلامًا قَامَ فِي غَيْرِهِ" اهـ.
__________
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 6، الإنصاف للباقلاني ص 112، فتاوى ابن تيمية 12/ 75، 211، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23، فتح الباري 13/ 391، 397.
2 قال البخاري: "من نقل عني أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب، وإنما قلت: إن أفعال العباد مخلوقة". "انظر: فتح الباري 13/ 387" وانظر: صيد الخاطر لابن الجوزي ص 102، السنة ص 29، فتاوى ابن تيمية 12/ 242.
3 بين الحافظ ابن حجر الفرق بين هذه الأمور فقال: "إن حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل القارئ، بخلاف المقروء، فإنه كلام الله القديم، كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله، والمذكور هو الله سبحانه وتعالى قديم". "فتح الباري 13/ 385". ثم نقل كلام البخاري في "خلق أفعال العباد" أنه قال: "القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على الألسنة، فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة، والدليل عليه أنك تكتب "الله" وتحفظه وتدعوه، فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق، والله هو الخالق. "فتح الباري 13/ 387-388".
وانظر: فتح الباري 13/ 391، 397، فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 170، 424 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 23/ 24.
4 هو أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، وكنية عبد الرحمن أبو زيد، نفري النسب، سكن القيروان، وكان إمام المالكية في وقته، وقدوتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله، وكان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، يقول الشاعر ويجيده مع الصلاح والورع، وهو الذي لخص المذهب ونشره، فكان يعرف: بمالك الصغير. وكان سريع الانقياد للحق والرجوع إليه. ومن مصنفاته: "مختصر المدونة"، و"النوادر الزيادات على المدونة"، و"الاقتداء بأهل المدينة"، و"الرسالة"، و"التنبيه"، و"المناسك"، و"الذب عن مذهب مالك". توفي سنة 386 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 127، شجرة النور الزكية ص 96، الفهرست ص 283، شذرات الذهب 3/ 131".

الصفحة 91