كتاب مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (اسم الجزء: 2)

وَيُحْكَى عَنْ الْمَاتُرِيدِيِّ الْحَنَفِيِّ أَبِي مَنْصُورٍ1 نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ: خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ السَّلَفِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ2.
[وَقَالُوا إذَا كَانَ الْكَلامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ، لازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ] 3 فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً؛ لأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ، وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ وَمَفْقُودًا حِينَ التَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا4، وَالْكَلامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لا يَتَعَدَّدُ وَلا يَتَجَزَّأُ، بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ:
__________
1 هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من كبار العلماء، وكان إمام المتكلمين، وعرف بإمام الهدى، وكان قوي الحجة، مفحماً في الخصومة. دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين، له كتاب "التوحيد"، و"المقالات"، و"رد أوائل الأدلة"، للكعبي، و"بيان وهم المعتزلة"، و"تأويلات القرآن"، و"مأخذ الشرائع في الفقه"، و"الجدل" في أصول الفقه. ورأيه وسط بين المعتزلة والأشاعرة. مات بسمرقند سنة 333هـ.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/ 130، الفوائد البهية ص 195، تاج التراجم ص 59، الفتح المبين 1/ 182، الفكر السامي 3/ 93".
2 انظر: فتح الباري 13/ 351.
3 ما بين القوسين إضافة من فتح الباري 13/ 351. وهي إضافة ضرورية لصحة السياق والمعنى، ولأن المصنف نقل هذه الفقرات بأكملها من فتح الباري وحكى هذا النص الأخير عن ابن كلاب والقلانسي والأشعري.
4 قال السبكي: "ثم زاد ابن كلاب وأبو العباس القلانسي على سائر أهل السنة، فذهبا إلى أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والخبر في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقد الكلام النفسي، وإنما يتصف فيما لا يزال، فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجوداً". "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300".
والقلانسي هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد، إمام أهل السنة في القرن الثالث، وصنف في الكلام مائة وخمسين مصنفاً.
"انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، الإنصاف للباقلاني ص 99".

الصفحة 96