كتاب صحيح الكتب التسعة وزوائده

بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ (¬١): انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَ العُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " وَلْتُفْشُوا العِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ العِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا " (¬٢).
الكتابة، والتدوين، والتصنيف فى اللغة:
أ- الكتابة: قال فى اللسان:" كتب الشئ كتباً، وكتاباً، وكتابة، وكتبه خطه" فكتابة الشاء خطه (¬٣).
ب- التدوين: قال فى اللسان: "والديوان مجتمع الصحف" (¬٤). وقال فى تاج العروس: "وقد دونه تدويناً جمعه. وعليه فالتدوين هو جمع الصحف المشتتة فى ديوان ليحفظها (¬٥).
ج- التصنيف: قال فى اللسان: والتصنيف: تمييز الأشياء بعضها من بعض، وصنف الشئ ميز بعضه من بعض. وتصنيف الشئ جعله أصنافاً. وعليه فالتصنيف تمييز الجزئيات، كأن يميز المصنف الصواب من الخطأ، أو الأهم من المهم" (¬٦).
وهذا تعريف موجز للكتابة والتدوين والتصنيف: يتضح منه الفرق بين الكتابة والتدوين.
ومن هذه التعاريف: يتضح لنا أن الكتابة غير التدوين، فالكتابة مطلق خط الشئ، دون مراعاة لجمع الصحف المكتوبة فى إطار يجمعها، أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الصحف المكتوبة فى ديوان يحفظها " (¬٧).
أما التصنيف؛ فهو أدق من التدوين، فهو ترتيب ما دون فى فصول محدودة، وأبواب مميزة (¬٨).
وعلى ذلك فالسنة دونت فى نهاية القرن الأول، لكنها كانت مكتوبة ولكنها لم تصل لدرجة التدوين وهو: جمع الصحف فى دفتر. (¬٩).
و أول من دون العلم هو ابن شهاب الزهرى" (¬١٠) فهو رحمه الله أول من دون أو صنف المجموعات المكتوبة من الأحاديث.
و يقول الحافظ ابن حجر: "وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهرى على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير" (¬١١) وقال أيضاً: " اعلم، علمنى الله وإياك أن آثار النبى - صلى الله عليه وسلم - لم تكن فى عصر الصحابة، وكبار تابعيهم مدونة فى الجوامع ولا مرتبة (¬١٢) أ. هـ.
ومعلوم أن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالي - حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي كله، من خلال روح علمية
---------------
(¬١) هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى البخارى، من سادات التابعين، ثقة عابد، مات سنة ١٢٠ هـ.٠ تقريب التهذيب (٨٠١٧).
(¬٢) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم ١/ ٢٣٤، والدارمى رقمى ٤٨٧، ٤٨٨.
(¬٣) لسان العرب ١/ ٦٩٨، وانظر: القاموس المحيط ١/ ١٢٠، ومختار الصحاح ص ٥٦٢.
(¬٤) لسان العرب ١٣/ ١٦٦.
(¬٥) تاج العروس ٩/ ٢٠٤.
(¬٦) لسان العرب ٩/ ١٩٨.
(¬٧) السنة النبوية مكانتها الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص ٩٧.
(¬٨) انظر: تصدير الدكتور يوسف العش فى تقييد العلم ص ٨، وانظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص ٢٨٣، ٢٨٤.
(¬٩) السنة النبوية ٠ مكانتها ٠ الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص ٩٧.
(¬١٠) ابن شهاب الزهرى: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى، القرشى، أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته واتقانه ٠ مات سنة ١٢٥ هـ ٠ له ترجمة فى: تقريب التهذيب (٦٣١٥).
(¬١١) فتح البارى ١/ ٢٥١ رقم ١١٣، وانظر ١/ ٢٣٥ رقم ١٠٠، وانظر: جامع بيان العلم لابن عبدالبر ١/ ٧٣، وتذكرة الحفاظ للذهبى ١/ ١٦٠، وشرح الزرقانى على الموطأ ١/ ١٤، والسنة النبوية ٠ مكانتها. للدكتور عبد المهدى ص ٩٤، ٩٨.
(¬١٢) هدى السارى ص ٨.

الصفحة 24