كتاب صحيح الكتب التسعة وزوائده

الموافقة كما جاء فى الأثر: " فأشاروا عليه بأن يكتبها " (¬١).
و يدل هذا الهمّ والموافقة على حجية السنة عند الصحابة رضي الله عنهم.
ويدل على أنهم من أنصار تدوين السنة المطهرة، وحفظتها!
وكتب عمر إلى عُمَّاله كتاباً فى كتابه إلى عتبة بن فرقد - رضي الله عنه -؟، وهو القائل "قيدوا العلم بالكتاب" (¬٢)، وجمع عمر الوثائق الخاصة بالزكاة والخراج والمسائل المالية الأخرى (¬٣)، و أدخل نظام الدواوين فى الأعمال الرسمية (¬٤)!.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: " إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتَبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا " (¬٥).
" وكان الصواب ما رأى عمر، فالعصر عصر صحابة للنبى - صلى الله عليه وسلم - لا عصر تابعين، وهم أشبه ما يكون بحوارى عيسى - عليه السلام -، ولنا فى أهل الكتاب تجربة حين سجل أصحاب النبى عيسى - عليه السلام -، ما سمعوه وما رأوه، نسبت الأناجيل إليهم لا إلى عيسى، ولا إلى الله تعالي، ... فكان الحذر والحيطة من عمر - رضي الله عنه - بالعدول عن التدوين، إذ لو فعل لم يأمن أن تتعدد كتب السنة بتعدد قائليها، وتتنوع بتنوع أسماء كاتبيها، فتكون أناجيل فى الأمة، ويهمل الكتاب الأصلى الذى هو درة التاج، وقلادة العقد.
لمن هذه البصيرة النافذة إن لم تكن لعمر بعد النبى - صلى الله عليه وسلم -؟!
ولمن هذا القول الفصل إن لم يكن للفاروق بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟!
ولمن هذا الحرص الشديد إن لم يكن لهذا الغيور على دينه؟!
فياليت قومى يعلمون (¬٦) أ. هـ.
و أشهر ما كتب من السنة فى زمن النبوة وبعده إلى زمن التدوين الرسمى:

١ - الصحيفة الصادقة التى كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم تصل هذه الصحيفة كما كتبها عبد الله بن عمرو بخطه فقد وصل إلينا محتواها، لأنها محفوظة فى مسند الإمام أحمد (¬٧)، حتى ليصح أن نصفها بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثبت كتابة الحديث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويزيدنا اطمئناناً إلى صحة هذه الوثيقة أنها كانت نتيجة طبيعة محتومة لفتوى النبى - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا! فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: " اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ " (¬٨). وآية اشتغال ابن عمرو بكتابة هذه الصحيفة وسواها من الصحف قول أبى هريرة - رضي الله عنه -: " مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ " (¬٩).
---------------
(¬١) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ١/ ٦٤، والخطيب في تقييد العلم ص ٤٩.
(¬٢) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم ١/ ١٨٧، ١٨٨ رقمى ٣٥٩، ٣٦٠ وقال: صحيح من قول عمر، وقد أسند من وجه غير معتمد، ووافقه الذهبى وقال وصح مثله من قول أنس - رضي الله عنه - ٠ وانظر: جامع بيان العلم ١/ ٧٢، وتقييد العلم ٨٧، ٨٨.
(¬٣) سنن أبى داود كتاب الزكاة، باب فى زكاة السائمة ٢/ ٩٨ - ٩٩ رقم ١٥٧٠ والأموال للقاسم بن سلام ص ٣٦٧ رقم ٩٣٤.
(¬٤) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ٣/ ٢٠٣، وانظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص ١٩٨.
(¬٥) أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ٤٠٧ رقم ٧٣١، وابن راشد في جامعه ١١/ ٢٥٧ رقم ٢٠٤٨٤، وسنده صحيح.
(¬٦) السنة فى مواجهة أعدائها ص ٢٤٣، ٢٤٤. الأستاذ الدكتور طه حبيشى.
(¬٧) انظر: مسند عبد الله بن عمرو فى مسند أحمد ٢/ ١٥٨ - ٢٢٦ ٠
(¬٨) أخرجه أبو داود فى سنته كتاب العلم باب فى كتاب العلم ٣/ ٣١٨ رقم ٣٦٤٦.
(¬٩) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب كتابة العلم ١/ ٢٤٩ رقم ١١٣.

الصفحة 26