كتاب صحيح الكتب التسعة وزوائده

٢ - والصحيفة الصحيحة التى كتبها همام بن منبه (¬١)، زوج ابنة أبى هريرة - رضي الله عنه - كتبها أمام أبى هريرة، ولهذه الصحيفة مكانة خاصة فى تدوين الحديث، لأنها وصلت إلينا كاملة سالمة كما رواها ودونها همَّام بن منبه عن أبى هريرة، فكانت جديرة باسم "الصحيفة الصحيحة" (¬٢) على مثال " الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد سبقت الإشارة إليها.
ونحب أن ننبه أن مصطلح "صحيفة وكتاب وجزء ونسخة ... إلخ لا يعنى بالضرورة "مجموعات صغيرة أو مذكرة عن الحديث" كما كان يعتقد أحياناً وهذا ما أكد صحته الدكتور امتياز أحمد فى كتابه "دلائل التوثيق المبكر للسنة" (¬٣).
وهذه الكتابات السابقة وغيرها الكثير (¬٤)؛ تقطع بكتابة السنة المطهرة فى عصر النبوة والصحابة والتابعين (¬٥).
وتؤكد أن التوفيق بين النهى عن كتابة السنة والإذن بكتابتها، وهو أن النهى دائر مع الخوف من علة النهى التى سبق تفصيلها، والإذن دائر مع الأمن منها (¬٦).
وهذا يؤكده أيضاً أن كل من نُقل عنه (أى من الصحابة والتابعين) النهى عن كتابة السنة فقد نُقل عنه عكس ذلك أيضاً (¬٧)، ما عدا شخصاً أو شخصين، وقد ثبتت كتابتهم أو الكتابة عنهم، وبذلك صرح الدكتور محمد مصطفى الأعظمى (¬٨)، وأكده باستفاضة فى كتابه (دراسات فى الحديث النبوى) حيث عقد الفصل الأول من الباب الرابع لبيان كتابة الصحابة، ومن كتب عنهم فى حياتهم (¬٩)، والفصل الثانى فى " كتابة كبار التابعين، ومن كتب عنهم فى حياتهم " (¬١٠) حتى زمن التدوين الرسمى فى عهد عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه -، بل وبعد زمنه أيضاً (¬١١).
كل ذلك يؤكد الحقائق التى سبق ذكرها من الفرق بين الكتابة، والتدوين وأن عمر بن عبد العزيز، حينما أمر بالتدوين الرسمي للسنة لم يبدأ من فراغ ولكنه اعتمد على أصول الكتابات التى سبق ذكر بعضها وكانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي.
ثم نشطت حركة التدوين بعد ذلك، وأخذت في التطور والازدهار، وتعاون الأئمة والعلماء في مختلف الأمصار، فكتب ابن جريج بمكة، وكتب مالك وابن إسحاق بالمدينة، وكتب سعيد بن أبي عَروبة والربيع بن صُبيح وحماد بن سلمة بالبصرة، وكتب سفيان الثوري بالكوفة، وكتب أبو عمرو الأوزاعي بالشام، وكتب عبد الله بن المبارك بخراسان، وكتب معمر باليمن، وغيرهم من الأئمة.
---------------
(¬١) همام بن منبه هو: ابن كامل الصنعانى، أبو عتبة، أخو وهب ٠ روى عن أبى هريرة، ومعاوية، وعنه ابن أخيه عقيل بن معقل، ومعمر، متفق على توثيقه ٠ مات سنة ١٣٢ هـ على الصحيح ٠ له ترجمة فى تقريب التهذيب: (٧٣٤٣)، والثقات للعجلى (١٧٥٠)، والثقات لابن شاهين (١٤٧١).
(¬٢) وهذه الصحيفة أخرجها الإمام أحمد بنصها فى مسنده ٢/ ٣١٢ - ٣١٩، وقد طبعت عدة مرات بتحقيق الدكتور محمد حميد الله ٠ انظر: السنة النبوية ٠ مكانتها ٠ الدكتور عبد المهدى ص ١١٩، وعلوم الحديث للدكتور صبحى الصالح ص ٣٢.
(¬٣) ص ١٤٨، ١٥٨، ١٦١.
(¬٤) انظر: دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى ١/ ٨٤ - ١٤٢، ودلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز ص ٤٦٣ - ٥٩٠.
(¬٥) وفى تلك الكتابات رد على الأستاذ محمد رشيد رضا، ومن تابعه كمحمود أبو رية، والسيد صالح أبو بكر (فى أن الصحابة لم يكتبوا، وعدم كتابتهم دليل على أنهم لم يريدوا أن تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن ٠ وسبق تفصيل الرد على ذلك ص ٢٩٨ - ٣٠٦.
(¬٦) ينظر: السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام للمؤلف ١/ ٢٨٨ وما بعدها.
(¬٧) بل والندم على عدم الكتابة، كما روى عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - إذ يقول: "كتبت الحديث ثم محوته، فوددت أنى فديته بمالى وولدى وأنى لم امحه". أخرجه الخطيب فى تقييد العلم ص ٦٠.
(¬٨) انظر: دراسات فى الحديث النبوى ١/ ٧٦.
(¬٩) انظر: المصدر السابق ١/ ٩٢ - ١٤٢.
(¬١٠) انظر: دراسات فى الحديث النبوى ١/ ١٤٣ - ١٦٧.
(¬١١) انظر: دراسات فى الحديث النبوى ١/ ١٦٨ - ٣٢٥. فأين كل هذا مما زعمه الدكتور موريس بوكاى من أنه ليس هناك أية مجموعة أحاديث قد ثبتت نصوصها فى عصر النبى - صلى الله عليه وسلم -. انظر: دراسة الكتب المقدسة ص ١٥٢.

الصفحة 27