كتاب السنة قبل التدوين

وجليلها في هذا المجال؟ ومع هذا فَإِنَّ المؤلفات التي دُوِّنَتْ عن حياة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مختلف ظواهرها لم يُدَوَّنْ مثلها لرجل في التاريخ قط. وأحاول الآن أنْ أتناول الخطوط الكبرى لموضوعنا هذا.

لقد اصطفى الله تعالى مُحَمَّدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وربَّاه وعلَّمه بعنايته الإلهية ليتمكَّن من حمل الرسالة وتبليغها، فأُعِدَّ إعدادًا عظيمًا، حَتَّى كَانَ القُرْآنُ خُلُقَهُ: يرضى برضاه، ويسخط بسخطه (¬1)، بُعث لِيُتَمِّمَ مكارم الأخلاق، «فَلَمْ يَكُنْ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقًا» (¬2). «كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» (¬3)، «وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ» (¬4)، «وَإِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ» (¬5) وَكَانَ أَصْحَابه يَعْرِفُونَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى إِنْسَانٍ قَطُّ لِنَفْسِهِ، وَمَا اِنْتَقَمَ لِنَفْسِهِ «إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» (¬6).

كان سيد الناس في أخلاقه ومعاملاته؛ وكيف لا وقد اختاره الله تعالى ليكون للعالم أسوة حسنة، وأوحى إليه ليكون لهم بشيراً ونذيراً؟ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} (¬7) فكانت مُهِمَّتُهُ - عَلَيْهِ
¬__________
(¬1) روي عن عائشة نحوه، انظر " سنن ابن ماجه ": الأحكام.
(¬2) روي عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: " فتح الباري ": ص 285 جـ 7.
(¬3) عن أبي سعيد الخُدري: " فتح الباري ": ص 387 جـ 7.
(¬4) من طريق شُعبة بن الحجاج: " فتح الباري ": ص 388 جـ 7.
(¬5) " فتح الباري ": ص 384 جـ 7.
(¬6) المرجع السابق: ص 387 جـ 7 من حديث عائشة.
(¬7) [سورة الجمعة، الآية: 2].

الصفحة 33