كتاب السنة قبل التدوين

حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» (¬1)، بل وقفوا من السُنَّةِ موقفًا عظيمًا، وَرَدُّوا على كل من فهم ذاك الفهم، رَوَى أَبُو نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تُحَدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ!! أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ صَلاَةَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لاَ يُجْهَرُ فِيهَا [بِالْقِرَاءَةِ]؟، وَعَدَّ الصَّلَوَاتِ وَعَدَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوِهَا. ثُمَّ قَالَ: «أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ، وَالسُنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (¬2)، وَقَالَ رَجُلٌ لِلْتَّابِعِيِّ الجَلِيلِ مُطَرِّفْ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لا تُحدِّثُونا إلاَّ بِالقُرْآنِ. فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ: «وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ بِالْقُرْآنِ بَدَلاً، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالقُرْآنِ مِنَّا» (¬3).

وسنستعرض الآن تَأَسِّي الصحابة والتابعين بالرسول وَتَمَسُّكَهُمْ بِالسُنَّةِ المُطَهَّرَةِ، ثم احتياطهم وورعهم في رواية السُنَّةِ، ثُمَّ تَثَبُّتَهُمْ في قبول الأخبار والآثار عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
¬__________
(¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 5 جـ 1 و " سنن البيهقي ": ص 6 جـ 1 رواه المقدام بن معدي كرب.
(¬2) " كتاب العلم " للمقدسي، مخطوطة الظاهرية: ص 51 و " جامع بيان العلم وفضله " ص 191 جـ 2.
(¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 191 جـ 2.

الصفحة 79