كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 6)

كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ خَلَفِ بْنِ عُمَرَ الْكِنْدِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ يَعُولُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ". وَتَقَدَّمَنَا فِيهِ مِنْ تَابِعِيهِمْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَا: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " إِذَا كَانَ لَكَ عَبِيدٌ نَصَارَى لَا يُدَارُونَ لِتِجَارَةٍ، فَزَكِّ عَنْهُمْ يَوْمَ الْفِطْرِ "
حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَا: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -[32]- قَالَ: " يُعْطِي الرَّجُلُ عَنْ مَمْلُوكِهِ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا زَكَاةَ الْفِطْرِ ". فَقَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ فَرْضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ قَالَ: فَفِي ذَلِكَ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافٍ لِلرَّقِيقِ الَّذِينَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ عَنْ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِيهِمْ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَرَضَهَا عَلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ مِلْكِهِ زَكَاةً لَهُ وَتَطْهِيرًا، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقَادِرِينَ عَلَيْهِ، لَا عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْعَبِيدِ الْعَاجِزِينَ عَنْهُ ; لِأَنَّ فَرَائِضَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا تَلْحَقُ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا لَا الْعَاجِزِينَ عَنْهَا , وَالْعَبِيدُ عَاجِزُونَ عَنْ هَذَا الْفَرْضِ، لِإِخْرَاجِ اللهِ إيَّاهُمْ مِنْ مِلْكِ الْأَشْيَاءِ بِقَوْلِهِ: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا -[33]- يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] ، فَعَادَ الْفَرْضُ الَّذِي افْتَرَضَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى الْمَالِكِينَ الْوَاجِدِينَ، لَا إِلَى الْمَمْلُوكِينَ الْعَاجِزِينَ، وَلَمْ نَعْلَمِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ قَبْلَ أَدَاءِ مَوْلَاهُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَيَمْلِكُ مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ نَفْسِهِ مَا مَلَكَ، كَمَا يُخْرِجُ عَنْ نَفْسِهِ كَفَّارَاتِ أَيْمَانِهِ الَّتِي كَانَ حَنِثَ فِيهَا فِي حَالَ رِقِّهِ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْهَا بِالصِّيَامِ عَنْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ هُوَ مَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عَتَاقِهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي يَكْسِبُهُ بَعْدَ عَتَاقِهِ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يُرَاعَى حُكْمُهُ فِي إسْلَامِهِ وَفِي عَدَمِ إسْلَامِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عَتَاقِهِ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَى مَوْلَاهُ لَا عَلَيْهِ , وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ دِينُ مَوْلَاهُ لَا دِينُهُ، وَكَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ إِذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا يُزَكِّي عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ إِذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ , وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرُهُ , كَانَ أَيْضًا يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ بِمِلْكِهِ إِيَّاهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرُهُ. فَقَالَ قَائِلٌ آخَرُ مِنْ أَهْلِ الشُّذُوذِ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْعَبْدَ فِي نَفْسِهِ يُؤَدِّيهَا مِنْ كَسْبِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ فِيهِ , وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ". قَالَ: فَعَقَلْتُ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: ذُو مَالٍ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا يُوجِبُ مَا ذَهَبَ أَنَّ الْعَبْدَ ذُو مَالٍ، بَلْ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مَا -[34]- يَنْفِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ مَالِهِ لِمَالِكِهِ، وَأَنَّ إضَافَتَهُ إلَيْهِ - أَعْنِي الْعَبْدَ - إِنَّمَا هِيَ كَإِضَافَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَرَ النَّخْلِ الْمَبِيعَةِ إِلَى النَّخْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ بَاعَ نَخْلًا لَهُ ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ "، لَا عَلَى أَنَّ النَّخْلَ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَكَمَا أَضَافَ اللهُ تَعَالَى بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ إِلَى الْعَنْكَبُوتِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: 41] ، لَا لِمِلْكِهَا إِيَّاهُ، وَكَمَا يُضَافُ بَابُ الدَّارِ إِلَى الدَّارِ وَجُلُّ الْفَرَسِ إِلَى الْفَرَسِ، لَا أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَمْلِكُ مَالَهُ لَمَا كَانَ لِمَوْلَاهُ أَخْذُهُ مِنْهُ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُ بُضْعِ زَوْجَتِهِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ بِتَزْوِيجِهِ إيَّاهَا بِأَمْرِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، وَاللهُ الْمَحْمُودُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ قَائِلٌ آخَرُ: فِيمَا رَوَيْتُمْ لَنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيْلِ نَفْيُ الزَّكَاةَ عَنْهَا، وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِيمَا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّا وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ جَمِيعًا مُتَّفِقِينَ عَلَى إخْرَاجِهَا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنَ الزَّكَاةِ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ لَوِ اسْتَثْنَاهُ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ. -[35]- وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ آخَرُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَلَا إِنَّ فِي الرَّقِيقِ زَكَاةَ الْفِطْرِ " أَعْنِي الْمَذْكُورَ ذَلِكَ فِيهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ , وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ هَلْ تَجِبُ فِي رَقِيقِ التِّجَارَةِ أَمْ لَا؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُوجِبُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهَا وَمَالِكٌ وَسَائِرُ أَهْلِ الْحِجَازِ يُوجِبُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهَا، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وُجُوبُ زَكَاةِ الْمَالِ فِيهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّا يُدَارُ فِي التِّجَارَاتِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ نَجِدْ فِيهِ ذِكْرًا فِي كِتَابٍ وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَأَنَّا إِنَّمَا وَجَدْنَا الدَّلِيلَ عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ مِنَ الْإِجْمَاعِ لَا مِنْ مَا سِوَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الْمَوَاشِيَ السَّائِمَةَ لَا اخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ , وَأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهَا الزَّكَاتَانِ جَمِيعًا، إِنَّمَا يَجِبُ فِيهَا إحْدَاهُمَا وَتَنْتَفِي الْأُخْرَى عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ , وَأَنَّ إحْدَاهُمَا إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ نَفَتِ الْأُخْرَى عَنْهُ، فَكَذَلِكَ عَبِيدُ التِّجَارَةِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِمْ زَكَاةٌ مَا؛ نَفَتْ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ. وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ

الصفحة 31