كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 6)

2322 - كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ وَجِعٌ، فَقَالَ: مَنْ فِي الْبَيْتِ؟ فَقِيلَ: أَهْلُكَ وَوَلَدُكَ وَجُلَسَاؤُكَ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَأَجْلِسُونِي. قَالَ: فَأَسْنَدَهُ ابْنُهُ إِلَى -[95]- صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمُ الْيَوْمَ حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُ بِهِ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتِسَابًا، وَمَا أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ إِلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الْمَسْجِدَ؛ لَمْ يَرْفَعْ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، وَلَمْ يَضَعِ الْيُسْرَى إِلَّا حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمَسْجِدَ، فَلْيَتَقَرَّبْ أَوْ لِيَتَبَاعَدْ، فَإِنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَ الْقَوْمِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ , وَإِنْ أَدْرَكَ مِنْهَا بَعْضًا وَسُبِقَ بِبَعْضٍ، فَقَضَى مَا فَاتَهُ فَأَحْسَنَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ؛ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنْ جَاءَ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ كَانَ كَذَلِكَ " فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي إدْرَاكِ أَقَلِّ الْقَلِيلِ مِنَ الصَّلَاةِ مِثْلُ مَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا , وَإِذَا كَانَ مَا قَدْ رُوِيَ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مِنْهَا مَعْنَاهُ مَعْنَى إدْرَاكِ الْفَضْلِ، فَدَلَّ ذَلِكَ مُخَالِفُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاةِ يَكُونُ بِهِ مِنْ أَهْلِهَا، كَمُدْرِكِي مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْهَا، كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ أَقَلِّهَا فِي حُكْمِ مُدْرِكِ ذَلِكَ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. -[96]- وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْحِجَازِيُّونَ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ وَجْهُ النَّصَفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ يَحْتَمِلُ مَا رَوَيْتَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ كَانَ بَعْدَ مَا رَوَيْتَهُ فِي آخِرِهِ , فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ , قِيلَ لَهُ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي آخِرِهِ، فَيَكُونَ نَاسِخًا لَهُ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْحُجَّتَانِ مُتَكَافِئَتَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ لِأَهْلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ لَهُ لَمْ يَنْسَخْهُ بِقَطْعِ ذَلِكَ الثَّوَابِ عَنْهُمْ، وَلَا يَنْقُضُهُمْ مِنْهُ إِلَّا بِذُنُوبٍ تَكُونُ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا ذَلِكَ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] الْآيَةَ، وَكَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنَ الثَّوَابِ الزَّائِدِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ نِعْمَةً مِنَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَفَضْلًا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَنْسَخَ ذَلِكَ وَأَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ تَكُونُ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ , فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا بَقَاءُ حُكْمِ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَعَدَمُ نَسْخِهِ , وَثَبَتَ أَنَّ -[97]- الِاسْتِدْلَالَ بِمَا فِيهِ عَلَى الْوَاجِبِ مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ أَوَّلًا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، مَعَ أَنَّا لَوْ خُلِّينَا وَالْقِيَاسَ لَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا فِي الْحَائِضِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَفِي الصَّبِيِّ وَفِي النَّصْرَانِيِّ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي ذَكَرْنَا إِلَّا بِأَنْ يُدْرِكُوا مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي صَارُوا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَهَا بِكَمَالِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصِّيَامِ إِلَّا مَا أَدْرَكُوا وَقْتَهُ بِكَمَالِهِ , وَقَدْ كَانَ زُفَرُ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، غَيْرَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى عِنْدَنَا مِنْهُ. وَاللهَ تَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ

الصفحة 94