كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 10)

وَقَوْلُهُ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وَهِيَ الْعُهُودُ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا، وَيَرُدُّونَ ذَلِكَ إِلَى الْإِيفَاءِ، يَقُولُونَ: أَوْفَى فُلَانٌ، يُوفِي إِيفَاءً، وَيَقُولُونَ فِي الْأَوَّلِ: وَفَا فُلَانٌ لِفُلَانٍ وَفَاءً، قَالُوا: فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: " فِ بِنَذْرِكَ " هُوَ عَلَى: " فِ " مِنَ الْوَفَاءِ، وَذَلِكَ فِيمَا هُوَ أَحْسَنُ لَا فِي وَاجِبٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا حَسَنَةً غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " فَعَادَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْإِيفَاءِ، لَا إِلَى مَعْنَى الْوَفَاءِ، فَارْتَفَعَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا ذَكَرْنَا حُجَّةٌ لِبَعْضِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرَ أَنَّ الْإِيفَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ إِلَّا أَنَّ الْأَفْصَحَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاجِبِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْ ضِدِّهِ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ نَظَرْنَا: هَلْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِيهِ؟
4160 - فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا، قَدْ حَدَّثَانَا، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " قُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ عَدَدَ هَؤُلَاءِ، وَجَمَعَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، أَنْ لَا آتِيَكَ وَلَا آتِيَ دِينَكَ، وَقَدْ جِئْتُكَ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللهِ بِمَا بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: " بِالْإِسْلَامِ " قُلْتُ: وَمَا آيَةُ الْإِسْلَامِ، قَالَ: " أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمُ -[356]- الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا لِي أُمْسِكُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، أَلَا إِنَّ رَبِّي دَاعِيَّ أَوْ رَاعِيَّ " شَكَّ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: " أَلَا إِنَّ رَبِّي دَاعِيَّ وَلَمْ يَشُكَّ، فَيَقُولُ: " هَلْ بَلَّغْتَ عِبَادِي؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ بَلَّغْتُهُمْ، فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ مُفَدَّمَةً أَفْوَاهُكُمْ بِالْفِدَامِ، ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبِينُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ " ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ حِينَ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَخِذَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذَا دِينُنَا؟ قَالَ: " هَذَا دِينِي "، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ " هَذَا دِينُكُمْ، وَأَيْنَمَا تُحْسِنْ يَكْفِكَ "

الصفحة 355