كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 11)
الْقَوْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مَا رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا لَمْ يَتْرُكْ لَهُ وَفَاءً، وَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ ذَلِكَ عَنِ الْمُتَوَفَّى الَّذِي لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ وَفَاءَ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ صَلَّى عَلَيْهِ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مُؤَدِّيَ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بِأَدَائِهِ إِيَّاهُ عَنْهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِ، لَكَانَ دَيْنُ ذَلِكَ الْمَيِّتِ قَدْ عَادَ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنَ الدَّيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَلَمْ يَمْلِكْهُ، وَفِي هَذَا بَيَانٌ لِمَا وَصَفْنَا، وَإِيضَاحٌ لِلْحُكْمِ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ وَجَدْنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثًا آخَرَ فِيهِ غَيْرُ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ
4592 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْأَخْنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةَ الْأَصْغَرَ أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، أَدْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرُمَّتِهِ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمِنْ أَيْنَ أُصِيبُ شَاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ؟ قَالَ: " فَتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسَامَةً؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ أَحْلِفُ عَلَى مَا لَا أَعْلَمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَنَسْتَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ -[534]- قَسَامَةً؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَسْتَحْلِفُهُمْ وَهُمْ كُفَّارٌ، أَوْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ فَقَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَعَانَهُمْ بِبَعْضِهَا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ دِيَتَهُ عَلَى الْيَهُودِ بِغَيْرِ حَلِفٍ كَانَ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْهُمْ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَفِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْنُهُ إِيَّاهُمْ بِنِصْفِ دِيَةِ الْقَتِيلِ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُرْمًا، عَنِ الْأَنْصَارِ لَا عَنِ الْيَهُودِ؛ وَلَأَنَّ الَّذِي غَرِمَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِلْيَهُودِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
الصفحة 533