كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 11)

4280 - وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ خَاصَّةً، قُلْتُ: خَاصَّةً؟ قَالَ: خَاصَّةً، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مِقْلَاتًا تَنْذِرُ إِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا تَجْعَلُهُ فِي الْيَهُودِ تَلْتَمِسُ بِذَلِكَ طُولَ بَقَائِهِ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا مِنْهُمْ، قَالَ: -[60]- فَسَكَتَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ، فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ، وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَهُمْ مِنْهُمْ " قَالَ: فَأَجْلَوْهُمْ مَعَهُمْ فَاخْتَلَفَ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ عَلَى أَبِي بِشْرٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَتَجَاوَزَ بِهِ شُعْبَةُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَوْقَفَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمْ خِلَافُ يَهُودِ خَيْبَرَ الَّذِينَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا بِشَطْرِ مَا تُخْرِجُ نَخْلُهَا وَأَرْضُهَا، وَأَقَامُوا فِيهَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُزَارَعَةِ بِشَطْرِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فِيمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، فَوَجَدْنَا إِطْلَاقَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي النَّضِيرِ عِنْدَ إِجْلَائِهِ إِيَّاهُمْ أَنْ يَضَعُوا بَعْضَ دُيُونِهِمُ الْآجِلَةِ، وَيَتَعَجَّلُوا بَقِيَّتَهَا، وَكَانَ هَذَا الْبَابُ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ.

الصفحة 59