كتاب شرح مشكل الآثار (اسم الجزء: 11)

وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُولُ: أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَهُ وَقَالَ: " لَا تَأْكُلْهُ وَلَا تُوكِلْهُ ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ عُبَيْدًا أَبَا صَالِحٍ
وَكَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، -[63]- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِي دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ عَنْهُ، وَيُعَجِّلَ الدَّيْنَ لِي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: " لَا تَفْعَلْ " فَقَالَ قَائِلٌ: أَفَتَجْعَلُونَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ حُجَّةً لِمَنْ أَجَازَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عِنْدَنَا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الرِّبَا، ثُمَّ حُرِّمَ الرِّبَا بَعْدَ ذَلِكَ فَحُرِّمَتْ أَسْبَابُهُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الْفِقْهِ جَلِيلَةُ الْمِقْدَارِ مِنْهُ، يَجِبُ أَنْ تُتَأَمَّلَ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى الْوَجْهِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللهُ، وَهِيَ حَطِيطَةُ الْبَعْضِ مِنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، لِيَكُونَ سَبَبًا لِتَعْجِيلِ بَقِيَّتِهِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، وَأَطْلَقَهُ مَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ وَصَفْنَا، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ جَرَى فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ هُوَ لَهُ، وَبَيْنَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَالتَّعْجِيلِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْرُوطٌ فِي صَاحِبِهِ، كَانَ وَاضِحًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ كَالرِّبَا الَّذِي جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ، وَبِوَعِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَدْفَعُونَ إِلَى مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِمُ الدَّيْنُ الْعَاجِلُ مَا يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يُؤَخِّرُوا عَنْهُمْ -[64]- ذَلِكَ الدَّيْنَ الْعَاجِلَ إِلَى أَجَلٍ يَذْكُرُونَهُ فِي ذَلِكَ التَّأْخِيرِ، فَيَكُونُونَ بِذَلِكَ مُشْتَرِينَ أَجَلًا بِمَالٍ، فَحَرَّمَ اللهُ ذَلِكَ، وَأَوْعَدَ عَلَيْهِ الْوَعِيدَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ وَضْعُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لِتَعْجِيلِ بَقِيَّتِهِ فِي أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِيَاعُ التَّعْجِيلِ بِمَا يُتَعَجَّلُ مِنْهُ بِإِسْقَاطِ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ، فَهَذَا وَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَحْكِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا. وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ

الصفحة 62