كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

هذه هي حجة (د. العظم) في إبطال الدين كله، ولست أدري هل يقبل إنسان يملك الحد الأدنى من التفكير المنطقي السليم هذا النوع من الاستدلال العظمي الذي ليس له أسر (¬1) يشده، ولا لحم يملؤه، ولا إهاب يزينه، أو تجرى فيه دماء حياء أو حياة.

على هذا القياس العظمي نستطيع أن نبطل العلوم المادية كلها، ونجعلها شيئاً غير موثوق به مطلقاً، فنقول: إن الاتجاهات العلمانية التي تعتمد على البحث العلمي المدروس بأناة واختبار وتجربة للوصول إلى الحقائق هي اتجاهات باطلة مزيفة، بدليل أننا نلاحظ عند أصحاب هذه الاتجاهات نظريات متناقضة، ونلاحظ بعضها فاسداً قطعاً، وبعد هذه المقدمة نُصدر وفق القياس العظمي حكماً قطعياً عاماً على كل الاتجاه العلمي، ونقول: هو اتجاه مشكوك به، باعتبار أن فيه نظريات باطلة، وبما أن أصحاب الاتجاه العلماني يُمثلون جبهة واحدة، ومتى ظهر الفساد في بعضها فلا بد أن يكون الفساد أو الشك شاملاً لها كلها، وبناءً على ذلك فالاتجاه العلماني باطل كله!.

لو قال هذا الكلام واحد من المتدينين لقال الناس جميعاً - وفيهم المتدينون أنفسهم-: هذا إنسان فاسد العقل فاسد التفكير.
أما سيادة العظم فيقول مثله تماماً عن الاتجاه الديني كله، وهو يتظاهر بحرصه الشديد على الأمانة العلمية التي تنشد الحقيقة، ثم لا يجد بين العلمانيين الماديين من يوجه له نقداً أو تصحيحاً منطقياً، فأين الأمانة العلمية التي يزعمونها ويتبجحون بها؟!

أهذا أمانة علمية؟ أم هو مغالطة، وخيانة للعلم، وخيانة لأصول العقل السليم والمنطق السديد؟

هل يصح في أصول العقل السليم تعميم مثل هذا التعميم؟ إن هذا التعميم
¬_________
(¬1) الجملة العصبية.

الصفحة 15