كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

وعلَّم الملائكة بأن هذا المخلوق الجديد سيزوَّد بخصائص نفسية وإرادية وفكرية تجعله يفسد في الأرض ويسفك الدماء ويعصي الله تعالى، فوجَّهوا إلى الله تساؤلاً فيه رائحة الاعتراض على حكمة الله في الخلق، فكان الجواب الأولى لهم يتضمن أن الله يعلم ما لا يعلمون، وكان الجواب الثاني لهم جواباً تطبيقياً عملياً، إذ ميَّز الله آدم بعلم الأسماء كلها، أي: بمعرفة سمات الأشياء وخصائصها واستنباط ما في بواطنها، وهذا أمر أعلن الملائكة عجزهم عنه، وكان لا بد من تكفير على التساؤل الذي بدت منه رائحة الاعتراض على حكمة الله في الخلق، فأمر الله الملائكة بالسجود لهذا المخلوق نفسه الذي تساءلوا عن الحكمة من خلقه، فسجدوا له، وكفَّروا بسجودهم هذا عن سابق تساؤلهم، ولم يكن أي سجود آخر دليلاً على الإذعان والتكفير في هذا الموضوع بالذات، لأن الملائكة ساجدون لله، عابدون له، مسبِّحون بحمده، مقدسون له دائماً، فلو قال لهم اسجدوا لي لكان أمراً بتحصيل الحاصل الذي لم ينقطعوا ولن ينقطعوا عنه، وكان هذا الأمر نفسه اختباراً لإبليس وكشفاً لهويته الحقيقية، إذ لم يكن عنصراً نورانياً ملائكياً، وإنما كان نارياً جنياً وكان بين الملائكة دخيلاً ولم يكن فيهم عنصراً أصيلاً.
وبهذا البيان يتضح لنا مبلغ التحويرات والمغالطات والمفاهيم الفاسدة التي قدمها الناقد (د. العظم) .

(4)

قال الناقد (د. العظم) في الصفحة (90) من كتابه:
"1- لا شك أن إبليس خالف الأمر الإلهي عندما رفض السجود لآدم، غير أنه كان منسجماً كل الانسجام مع المشيئة الإلهية، ومع واجبه المطلق مع ربه.
2- لو وقع إبليس ساجداً لآدم لخرج عن حقيقة التوحيد، وعصى واجبه المطلق نحو معبوده".

ما شاء الله!! فهم غريب لم يفهمه إبليس نفسه، لذلك فهو لم يذكره في حجته، ولم تفهمه الملائكة فسجدت فأشركت بالله من حيث لا تدري، ثم جاء

الصفحة 336