كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

نعم لا نجيز في الشريعة الإسلامية السجود لغير الله، ولو على سبيل الاحترام لا على سبيل العبادة، لأن الشريعة الإسلامية التي جاءت خاتمة الشرائع الربانية قد منعت من ذلك، فنحن نتَّبع أحكامها، وسر المنع دخول مفاهيم الشرك بالله في الواقع الإنساني الجاهلي، واتخاذ هذا الشرك طابع عبادة غير الله بالسجود والدعاء والقرابين ونحو ذلك، فلما نزلت شرائع الإسلام منعت هذه الظاهرة كلها سداً للباب، ولم يكن هذا الشرك ولا تعبيراته ولا مصطلحاته معروفة لا عند الملائكة ولا عند إبليس، حتى يجعله سيادة الناقد واقعاً في تصور إبليس، ولذلك رفض السجود لآدم.

وهكذا تظهر لنا مغالطته في نقل مصطلحات حديثة إلى زمن لم يكن فيه للشرك وجود مطلقاً، والمغالطة هنا تعتمد على تعميم المصطلحات الزمنية وجعلها مصطلحات ثابتة من الأزل إلى الأبد.

مع أن لكل زمن مصطلحاته، ولكل أمة مصطلحاتها، والثابت إنما هي المعاني الحقيقية التي يُدَلُّ عليها بأي مصطلح قولي أو عملي، أو أي وسيلة أخرى من الوسائل التي تدرك بالسمع أو بالبصر أو باللمس أو بغيرها.

لقد تأكد لدينا بعد هذا البيان أن التناقض في الأوامر الإلهية مستحيل بداهة، وممنوع قبوله في المفاهيم الدينية، ولا يقع هذا التناقض إلا في ذهن جاهل أساء الفهم أساء التصور، أو في أقوال مضلِّل هدفه أن يشك الناس بدينهم.

(5)
ويدَّعي الناقد (د. العظم) وجود التناقض بين الأمر الإلهي والمشيئة الإلهية، فيقول في الصفحة (89) من كتابه:

"لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أمر عباده بالابتعاد عنها، كما أنه أمرهم بأشياء ولكنه أرادهم أن يحققوا أشياء أخرى، لذلك باستطاعتنا القول بأن الله أمر إبليس بالسجود لآدم، ولكنه شاء له أن يعصي الأمر، ولو شاء الله لإبليس أن يقع ساجداً لوقع ساجداً لتوه، إذ لا حول ولا قوة للعبد على ردِّ المشيئة الإلهية".

الصفحة 339