كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

جهنم للكافرين، أنه لا يوجد أي داع للإنسان حتى يختار لنفسه سبيل الكفر على سبيل الإيمان، لا سيما حين يلاحظ أنه لا توجد في مواقع الكفر مزايا من متاع الدنيا يصيبها الكافر ولا يستطيع أن يصيبها المؤمن، علماً بأن مقدروه أن يصيب ما يريد من شهوات محرمة عن طريق المعصية، لا عن طريق الكفر بالجحود أو يرفض الإذعان للطاعة، فطريق المعاصي ليس فيه خلود في العذاب والشقاء، أما طريق الكفر فهو طريق الخلود في العذاب والشقاء الأبدي.

والتساؤل الوارد في هذا المجال قد أجاب القرآن عنه، فبين أن الكافرين واقعون في الكفر بسبب مؤثرات نفسية شتى جانحة خلقياً، إلا أن الذي غشَّى على منطقهم في الحياة أمران: زينة وغرور، وهذان الأمران هما المناخ الذي تنشط فيه بواعث الكفر ودواعيه.

فالزينة: حسنت للكافرين الحياة الدنيا، وحسنت لهم سوء عملهم، وصبغته بالأصباغ الخادعة، وجعلت له المبررات المزوَّرة.

والغرور في أنفسهم ساقهم عمياناً لا يبصرون إلا الزينة وما فيها من بهارج، فأعينهم مثبتة في أشكالها وألوانها، وآذانهم لا تسمع إلا رنات أوتارها وأصوات أجراسها، وشهواتهم مشدودة إليها، وقلوبهم معلقة بطلبها والسعي وراءها، وهم يتخبطون في اتباعها، لا يدرون أين تقع أقدامهم، ولا يعرفون إلى أي مصير هم صائرون، وأما أفكارهم وعقولهم فقد ألقيت عليها الغشاوة، فهم لا يفكرون إلا في حدود منطقة الزينة.
والزينة هي المجال الذي يفتتن به الإنسان فيغتر به، وهي تكون فتنة للعين أو فتنة للأذن، أو فتنة للفكر، أو فتنة للنفس، أو فتنة لما سوى ذلك من داخل الإنسان وخارجه.

والزينة طلاءات وزخارف خادعة في مظهرها، ولا دلالة لها على الحقيقة الجوهرية، إنما تخدع بحلاوة مظهرها، فيتصور الجاهل المتسرع أن ما ظهر له عنوان ما بطن وخفي عليه، فيعطي للباطن حكم ما بدا له في الظاهر، لذلك نلاحظ أن القرآن حين يلفت أنظارنا إلى حقيقة ما في الحياة الدنيا يبين لنا أنها من قبيل

الصفحة 375